منطقة الشرق الأوسط وتحديات فرص العمل للشباب

TT

أدت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تأكيد الضرورة الملحة التي تتسم بها محاربة البطالة المزمنة، خاصة بين الشباب. وعلى الرغم من نقص بيانات سوق العمل في المنطقة، فإن الإحصاءات المتوافرة عن ستة بلدان – هي: مصر والأردن ولبنان والمغرب وسوريا وتونس - تشير إلى بلوغ البطالة 11% في عام 2008، وهو معدل أقل بدرجة طفيفة عن متوسط العقدين الماضيين (12%) وأعلى معدل للبطالة الإقليمية على مستوى العالم.

وتبرز المشكلة بوضوح بين الشباب والمتعلمين بوجه خاص، فنسبة العاطلين من الشباب في الـ6 بلدان تتجاوز 40% في المتوسط، بل إنها تصل إلى 60% في مصر وسوريا. ويبلغ معدل البطالة المتوسط بين الشباب أكثر من 25% في منطقة الشرق الأوسط، مسجلا أعلى المعدلات الإقليمية على مستوى العالم أيضا، وهو يصل إلى نحو 30% في تونس والمغرب. وعلى خلاف المتوقع، يميل معدل البطالة في المنطقة إلى الزيادة مع ارتفاع المستوى التعليمي؛ حيث يتجاوز 15% بالنسبة للحاصلين على درجات علمية بعد المرحلة الثانوية في مصر والأردن وتونس. وتستطيع الحكومات تنفيذ عدد من التدابير الفورية لزيادة الوظائف المتاحة وتسليح الشباب بالمهارات اللازمة لدخول سوق العمل.

ومن الفرص المتاحة، على سبيل المثال: إعطاء أولوية للمشاريع الجيدة كثيفة العمالة التي تقرر تنفيذها بالفعل في مجال البنية التحتية. وتشير الأدلة المستمدة من تجارب بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي إلى أن الاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يكون له تأثير كبير على توليد الوظائف، فيمكن إنشاء نحو 40 ألف وظيفة جديدة سنويا بشكل مباشر أو غير مباشر على المدى القصير لكل مليار دولار تنفق على مشاريع البنية التحتية.

وبتطبيق هذه الأرقام على حالتي مصر وتونس، على سبيل المثال، يمكن الاستدلال على أن كل 1% من إجمالي الناتج المحلي ينفق على النوع الصحيح من مشاريع البنية التحتية ويمكن أن يولد ما يصل إلى 87 ألف وظيفة جديدة في مصر و18 ألف وظيفة في تونس على المدى القصير.

ويمكن أيضا أن يقدم صناع السياسات حوافز ضريبية أو ضمانات على القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات العمالة الكثيفة، على غرار ما حدث في كثير من الأسواق الصاعدة وبلدان التحول الاقتصادي أثناء الأزمة المالية العالمية.

والخيار الآخر هو استحداث برامج تدريبية جيدة التصميم تستهدف الشباب، أو توسيع نطاق البرامج القائمة وتعميم الواعد منها، مثل مؤسسة التعليم من أجل التوظيف التي تعمل في عدة بلدان في المنطقة، منها: مصر والأردن والمغرب، وتتعاون مع شركات وصناعات مختلفة لتقدير الطلب على المهارات وتوفير برامج تدريبية مخصصة للشباب من أجل تلبية هذا الطلب. وهنا أيضا يمكن استخلاص دروس من تجارب البلدان الأخرى.

غير أن تحقيق أثر دائم يتطلب الجمع بين التدابير قصيرة الأجل واستراتيجية شاملة للتوظيف تدعم النمو الشامل للجميع، وتحقق تحولا في نظم التعليم، وتتيح الحماية الاجتماعية الكافية للعاملين والباحثين عن عمل. ويظل النمو الاقتصادي المرتفع ركيزة أساسية لتوليد الوظائف للداخلين الجدد في سوق العمل. وهناك كثير من البلدان في المنطقة لا يزال معدل النمو المحقق فيها قاصرا عن إيجاد الوظائف الكافية للقوى العاملة الشابة التي تزداد بمعدل سريع. وحتى يحقق النمو أكبر الأثر على إيجاد فرص العمل، ينبغي أن يكون شاملا للجميع أيضا، بحيث يعود بالنفع على جميع شرائح المجتمع، وليس على قلة محظوظة فقط. وسيكون النمو المستمر مدفوعا بجهود القطاع الخاص، بينما يمكن أن تهيئ الحكومات البيئة المواتية، عن طريق إتاحة تكافؤ الفرص والمناخ الصحي اللازم للأعمال. ولدعم تكوين المهارات، ينبغي تحقيق توافق أكبر بين مناهج التعليم الأولي والثانوي وما بعد الثانوي من ناحية، واحتياجات القطاع الخاص من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق، سيكون إصلاح سياسات القبول في الجامعات لاختبار مجموعة واسعة من المهارات - الكتابة والتفكير النقدي وحل المشكلات - بمثابة حافز للطلاب في المستويين الأولي والثانوي لاكتساب هذه المهارات المطلوبة.

وتعاني المنطقة أيضا قواعد تنظيمية مفرطة الجمود في سوق العمل. ففي مصر، على سبيل المثال، تصل مستحقات إنهاء الخدمة للموظفين المعينين إلى ما يعادل 132 أسبوعا من الراتب النهائي. ونظرا لهذه التكلفة العالية التي تصاحب الفصل من العمل، تصبح الشركات عازفة عن التعيين في المقام الأساسي. ومن ثم فبينما تهدف القواعد المنظمة لسوق العمل إلى حماية العاملين، نجد أنها تشكل عائقا واقعيا أمام زيادة فرص العمل في القطاع الرسمي، مما يسهم في دفع الشركات إلى الاقتصاد غير الرسمي؛ حيث تتوافر للشباب فرص محدودة لتنمية رأس المال البشري وحماية اجتماعية ضئيلة أو معدومة؛ لذلك ينبغي أن تهدف السياسات إلى تخفيف جمود القواعد التنظيمية في سوق العمل، مع الحفاظ على حق التفاوض الجماعي وتوفير الحماية الاجتماعية الفعالة للعاملين، بما في ذلك تأمينات البطالة. ويمثل إنشاء الوظائف تحديا جسيما، لكنها مهمة يمكن إنجازها. وتستطيع المنطقة الاستفادة من كل إمكانات مواطنيها الذين يتميزون بالشباب والديناميكية، عن طريق الالتزام الصارم بتعميم ثمار النمو وإنجاز الإصلاح.

* المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى

*خاص بـ«الشرق الأوسط»