التعاون مع الأردن والمغرب.. تكتيك أم استراتيجية

TT

ما زالت الحقائق ضنينة حول حقيقة الأهداف أو الآليات التي سوف تنظم علاقة مجلس التعاون مع الأردن والمغرب، ما كتب حتى الآن هو إما ضرب في الغيب أو تخمينات سلبية أو إيجابية. تركيز الحديث على دخول أو عدم دخول الدولتين حضن المجلس هو النظر إلى الشجرة، المطلوب النظر إلى الغابة.

الغابة تهزها رياح شديدة، كثيرا ما تحدثنا عن نظرية جناح الفراشة، هي الآن في التطبيق، فهي نظرية تقول إن تأثيرات سقوط جناح فراشة في النهر في الصين، تأتي بزوابع عاتية في أماكن أخرى.

ما سقط في تونس أكثر من جناح فراشة، وتأثيراته هي التي جعلت العرب يمرون اليوم بحالة من الاضطراب غير المسبوق؛ تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، ولا نعرف البقعة المضطربة القادمة، صاحب ذلك شبه انهيار اقتصادي، كما صاحبته سخونة في كل من الأردن، والبحرين، وعمان، وبعض دول الخليج. حتى الآن هناك تكهنات كثيرة حول الأسباب في انتشار تأثير جناح الفراشة، عامل مهم داخلي سميته «الحُقرة»، أي فشل في إقامة الدولة الحديثة والاستجابة للنخب، وخارجي وهو عدم التسامح الدولي - نتيجة انتشار وسائل الإعلام - بتصفية الاختلاف عن طريق استخدام القوة المفرطة وقتل الناس في الشوارع.. ذلك من بين أمور أخرى.

الخليج إذن قريب من مناطق الاضطراب، بل كما ذكرت، أصابه بعض الكدمات المباشرة وغير المباشرة. الانتفاضات المختلفة أصابت الوضع الاستراتيجي العربي بخلل فادح، مصر تنشغل بالداخل السياسي والاقتصادي والمائي أيضا، حيث قضية مياه النيل، التي دفنت تحت السجاد في النظام القديم تظهر بقوة. سوريا إن سارت الأمور كما نرى فإنها سوف تؤثر على لبنان. الاحتمال أن تقع مصر، بعد انتخابات قادمة، تحت تأثير كبير من «الإخوان المسلمين»، وإن سارت سوريا في نفس المسار أيضا سوف تقع تحت تأثير كبير منهم. لبنان سوف ينقسم إلى قسم إسلامي وقسم مسيحي، لن يرضى الآخرون بالوقوع تحت تأثير سوري بقيادة أو مشاركة فعالة من إسلام سياسي إخواني.

قد يظهر محور جديد، مصري - سوري، باتجاه حكم متشدد، يشارك اليمنيون أيضا إن آلت الأمور إلى مشاركة فعالة للحوثيين في النظام اليمني الجديد.

إيران عنصر مهم في التغير الاستراتيجي، والباحثون يعرفون من تجارب سابقة أنه إذا توفرت ثلاثة عناصر لدولة، وهي: الحكم الشمولي أو الإقصائي، وآيديولوجيا توسعية، وتراكم سلاح، تقليدي أو غير تقليدي، فإن شهية تلك الدولة للتوسع تكون جاهزة. إيران ليست استثناء، فهي تحمل العناصر الثلاثة، وخاصة تراكم السلاح، لأنه بحد ذاته يغري بالمغامرة.

القوى الكبرى مشغولة بذاتها، وضع اقتصادي مترد في كل من أميركا وأوروبا، الأخيرة مشغولة بمشكلات منطقة اليورو، الأولى لم يعد لها معدة تهضم الاشتباك مع الآخرين، بعد العراق وأفغانستان، بل هددت الأخيرة السلم الاجتماعي فيها. باختصار لا يوجد من الدول الكبرى من هو مستعد لرفع الأثقال الاستراتيجية والحربية، لو تفاقمت الأمور في الخليج.

دول مجلس التعاون من جهة أخرى، أصبحت لاعبا دوليا في الشأن الجيوسياسي في المنطقة، بعد طول ابتعاد، من ظواهر الاشتباك الدولي؛ استقبال السيد أوباما في البيت الأبيض قائدين خليجيين في الأسابيع الأخيرة، هما الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، ومن المظاهر الأخرى عمل دول الخليج كقاطرة من خلال جامعة الدول العربية لتغيير طريق عمل الجامعة العربية الذي استمر 65 عاما، عن طريق أخذ موقف واضح من أحداث ليبيا، التي ارتكزت عليها بعد ذلك قرارات مجلس الأمن، ومنها التدخل النشط للمجلس في اليمن، وهو موقف يبنى عليه الموقف الدولي أيضا. في مقابل ذلك انكشاف جيوسياسي يتطلب البحث الحثيث عن حلفاء.

مبكر الحديث عن شكل ودرجة هذا التحالف، إلا أن بيان القمة الخليجية في الرياض يوم 11 مايو (أيار) الحالي يقول «تمشيا مع النظام الأساسي وميثاق جامعة الدول العربية وبناء على طلب المملكة الأردنية الهاشمية، وبناء على اتصال مع المغرب ودعوته للانضمام، فقد فوض المجلس (أي القمة) المجلس الوزاري (وزراء الخارجية) للدخول في مفاوضات لاستكمال الإجراءات اللازمة».

هذا البيان واضح فيه أن هناك إجماعا للقبول (الأردن) والدعوة (المغرب)، وأن هناك بحثا حول «الإجراءات اللازمة» لم يتحدد بعد. البعض قفز على النتائج بسرعة. إلا أن هذا التفاوض قد يقود إلى بناء استراتيجية مريحة للأطراف المختلفة.

إذا أضفنا إلى هذا التحليل البعد الاقتصادي، فإنه قد يكون أقرب للنظر إلى الغابة. النمو الاقتصادي في دول الخليج، جراء ارتفاع أسعار النفط، ارتفع من 5.1 في المائة عام 2010 إلى 6.5 في المائة عام 2011. ارتفاع أسعار النفط من 80 دولارا عام 2010 إلى 115 دولارا عام 2011، في المتوسط رفعت دخول مجلس التعاون النفطية من 362 بليون دولار في عام 2010 إلى متوقع 533 بليون دولار عام 2011. على الجانب الآخر تآكلت الاحتياطيات النقدية لدول «الثورات» وتباطأ الاقتصاد فيها وارتفعت نسبة ائتمان التمويل عليها، وحتى تعود المؤسسات المالية والإدارية إلى العمل الكفء تحتاج إلى وقت، وقد يطول الوقت إلى درجة أن تشكل «موجة ثانية من الاحتجاجات» في تلك الدول أساسها تباطؤ الاقتصاد وتباطؤ قيام المؤسسات.

أمام كل ذلك لا بد لمجلس التعاون أن ينظر إلى شركاء محتملين يخفف عنهم الضغط الاقتصادي ويخففون عنه الضغط الجيوسياسي. ومن الخطأ الفهم أن خطوتي القبول والدعوة لكل من الأردن والمغرب قد جاءتا عفو الخاطر، لو كان ذلك لشعرنا جميعا بالقلق، بل الأفضل أن تكونا قد جاءتا نتيجة تفكير استراتيجي بعيد النظر، يحتاج إلى مفاوضات دقيقة واضحة حتى تأتي الأمور بنتيجة فائدة لنا وفائدة لكم!

آخر الكلام

تحاول بعض السلطات في إيران أن تلفت النظر بعيدا عما يجري في سوريا لفتح ملفات يتابعها الناس، فتقول إنها سوف ترسل سفينة مسلحين إلى البحرين!! الحرب لها بعد إعلامي أيضا، أليس كذلك!!