الكويت.. «سني طق شيعي»

TT

أول شيء تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد العراك بالأيدي في مجلس الأمة الكويتي بين نواب سنة وشيعة، هو مسرحية الفنان القدير عبد الحسين عبد الرضا «على هامان يا فرعون» وهو يقرأ لزميله القدير سعد الفرج جزءا مما سماه «عجائب الزماني لابن الزعفراني».

وتخيلت أنه لو عاد عبد الحسين يقرأ من نفس الكتاب لقال «.. وعندما لوح النائب الشيعي بالعصا للنائب السني انفعل الأخير.. وجان قام وطقه»، وبطريقة عبد الحسين الشهيرة بالمسرحية سيقول لسعد: «شوف مكتوب طقه ولا ما طقه»؟ ثم يقر سعد قائلا «لا والله طقه.. طقه»! بالطبع ليس المجال مجال تندر، لكنه ضحك كالبكاء، فهل يعقل وبعد قرابة خمسين عاما من العمل البرلماني بالكويت، أن يصل الحال إلى التشابك بالأيدي؟ سيكون الأمر مقبولا لو أنه حدث قبل ثلاثين عاما، لكن ليس اليوم، وأمام العالم!

والإشكالية الكبرى بمجلس الأمة الكويتي أن جل أزماته ليست لتمرير مشاريع داخلية، أو من أجل مصلحة الشعب الذي يمثله النواب، بل جلها سياسية خارجية، أثرت على الكويت نفسها، وعلى مكانتها الخارجية، ناهيك عن أن أزمات البرلمان قد أثرت حتى على الداخل الكويتي. وحتى وإن قال البعض بأن الجدل هو من طبيعة المجالس البرلمانية، وأن الاستجوابات حق دستوري، لكن يظل الوعي والحصافة بعدم الإفراط في استخدام الحقوق الدستورية هو ما يميز ديمقراطية عن أخرى، وذلك لا يعني المزاجية أو المجاملة، بل إنه الوعي السياسي. فالكونغرس الأميركي، مثلا، لا يفرط أعضاؤه في استخدام الأدوات الدستورية بكل أزمة، أو خلاف، وأبسط مثال آلية عزل الرؤساء، ورغم أنه حق دستوري، فلا إفراط في استخدامه بأميركا، وإنما نجد أن بعض الرؤساء هم من يستقيلون، ويحفَظ لهم ماء الوجه، وحدث ذلك مع الرئيس نيكسون الذي تورط بفضيحة «ووتر جيت» الشهيرة حيث لم يعزله الكونغرس، بل استقال.

مشكلة الكويت اليوم أن نفس هذا البرلمان قد تجادل بسبب مقتل الإرهابي عماد مغنية، وتجادل بسبب ما حدث بالبحرين، وتارة بسبب العراق، وأخرى بسبب إيران، وطالب بقطع العلاقات مع سوريا مؤخرا، وهذا أمر عجيب، فالبرلمان لا يترك للسياسي الكويتي حرية التحرك وفق الواقع، والإمكانيات، فالسياسي لا تحركه الشعارات وإنما الواقع، وقبله المصالح. واليوم تندلع أزمة برلمانية جديدة وطائفية بسبب المعتقلين الكويتيين في غوانتانامو، حيث طعن نائب شيعي بالمعتقلين، معتبرا إياهم إرهابيين تابعين لـ«القاعدة»، وأمام محاميهم الأميركيين الذين حضروا الجلسة! وهكذا فإننا نرى أن جدالات البرلمان الكويتية إما سياسية خارجية، أو طائفية، والسؤال الأهم: وماذا عن مصالح المواطن العادي الذي يريد تدبير أمر حياته؟

مجلس الأمة الكويتي ليس البرلمان العربي، أو الخليجي، والكويت ليست قوة عظمى حتى تفرض رؤيتها على العالم، بل من مصلحتها أن تحافظ على علاقات دولية جيدة تقوم على عدم التدخل في شؤون الآخرين، وقبل هذا وذاك خدمة مواطنيها، بينما مجلس الأمة يسير من أزمة إلى أخرى، وها هو يدخل كتاب عبد الحسين عبد الرضا الشهير «عجائب الزماني لابن الزعفراني» بعراك أيدٍ.. فيا خسارة!

[email protected]