الحق في التصوير

TT

ثمة من قرر في سوريا أن يسرب صور فيديو تظهر تنكيلا وتعذيبا يطال سوريين أطفالا وكبارا.

لا أتحدث هنا عن صور إطلاق النار والقتلى والرصاص المسكوب على المتظاهرين، بل عن صور موصوفة لتعذيب موصوف مورس أمام عدسات هواتف أو كاميرات صغيرة من أشخاص شاركوا في إنزال آلام مبرحة على أجساد السوريين وقرروا أن ينشروها عبر الإنترنت.

منذ بداية التحركات الاحتجاجية السورية، ظهرت صور فيديو مروعة لأولاد تعرضوا للضرب المبرح والتعذيب، من بينها فيديو لولد لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره يجري إلى جانب إذاقته الألم إذلاله عبر إجباره على تقبيل أقدام معذبه من دون التفاتة إلى دموعه وآلامه.. ولاحقا تسربت صور التنكيل بمتظاهرين موقوفين مكبلين ومكدسين على الأرض ويجري الدوس عليهم وضربهم من قبل عناصر الأمن. صور أخرى لرجلين يرتديان ملابس سوداء يضربان رجلا جريحا ويهزآن منه.

المشترك في الصور هو أن هناك من قرر توثيقها وتسريبها لنراها جميعنا.. سبق أن رأينا في ليبيا صورا مشابهة لتعذيب معارضين وإذلالهم على يد رجال معمر القذافي.. في البحرين رأينا صورا لا تقل دموية.. لكن المفارقة السورية تكمن في أن العنف يطال أولادا، وأن التنكيل تكرر وتكرر تسريبه.

لم تكن اللقطات لهواة أو مغامرين سرقوا صورهم من بعيد، بل كانت من قبل أشخاص شاركوا في ممارسة تلك الفظائع ولاحقا في نشرها.. فهل كان المقصود من حفلات التعذيب المصورة تلك أن تتحول تلك الوقائع إلى مادة نتداولها ونراها جميعا لنهاب تلك السلطة ونرى كم أنها لا تزال ثابتة.

تاريخنا الحديث، حتى لا نعود إلى الأقدم، حافل بصور من ذلك النوع.. قصور صدام حسين كانت مليئة بأشرطة فيديو لا يتحملها قلب أو عقل.. تنظيم القاعدة في العراق مارس الذبح المصور على نحو فاق كل حدود الخيال.. أتت اليوم صور التعذيب من سوريا لتضفي المزيد من التساؤلات عن حقيقة ما يجري مع استمرار التعتيم والتكتم والحظر.

الصور التي تردنا من سوريا لا توحي بأننا أمام أشخاص مرضى، بل إن ممارسي ذلك العنف يظهرون شيئا من الشغف بما يرتكبونه.. ليس جديدا القول إن ثقافة العنف في منطقتنا قديمة قدم الحياة، وهذه الشراسة المجانية تورطت فيها أجهزة وأنظمة وجماعات وأحزاب تتغذى من فكرة أن العنف هو أول مصادر السلطة وأول أدواتها.. في حالة الصور الواردة من سوريا، نفى ناشطون سياسيون قريبون من النظام صحة هذه الصور وقالوا إنها مفبركة.

الإعلاميون الذين يستضيفونهم طلبوا تفسيرا لمنع السلطات السورية الإعلام من تصوير حقيقة ما يجري. الرد الرسمي السوري كان أكثر ضحالة ويتمثل في أن للحكومة السورية حقا في أن تسمح وأن تمنع التصوير.. الرد السوري يمنح لهذه الصور مصداقية، ومحاولة تفادي الإدانة لن تنجح إلا في حال وصلت الكاميرات المستقلة وغير الموالية للنظام إلى الحدث السوري.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام