من نافذة دبي

TT

إذا كنت قادما من أي جهة في العالم العربي هذه الأيام، فإنك محكوم بنظرة أخرى إلى دبي. الزملاء الآتون إلى المنتدى الإعلامي هذا العام، يمثل أكثرهم بلدانا مضطربة وتحولات مجهولة وحافات حادة. ولم يكن حال الأمة مرة كما هو اليوم: أنظمة تحاكم وأنظمة تحارب، وتحلق في كل مكان، فيما تبدو هذه الإمارة التي تتعاطى النجاح بدل السياسة، مرة أخرى، واحة يفزع إليها الفزعون من تقلبات الدهر وتبدلات العهود والأزمنة.

هناك زملاء من كل مكان: مصر وأسئلتها. العراق وألمه المزمن. ولبنان وانقساماته الأزلية. الجزائر وما الخبر. الكويت وما الاستجواب التالي لحكومة الشيخ ناصر. الأردن وكيف السبيل. فلسطين وإلى متى. اليمن ومتى يعود الأمين العام – الزياني؟ لا يحسد الزياني على الأزمة التي بدأ فيها ولايته. فاليمن زئبقي في الأيام العادية فكيف في أيام العداء. ولا يحسد نبيل العربي على الجامعة العربية، فيما الوصول إلى مبناها عملية شاقة. فما بدا قبل فترة أنه زمن التغيير صار الآن زمن التفكير. وأحيانا زمن إعادة التفكير. وبعض المفكرين العالمين بتواريخ الثورات يحذرنا بأن لا استقرار قبل ثلاث سنوات على الأقل.

لا أعتقد أن هناك من يحن إلى الماضي. لكن كثيرين يخشون المستقبل، أو هم غير واثقين منه. وقد سالت دماء كثيرة وبدا وكأن نصف السياسيين في العالم العربي مطلوبون لمحكمة ما، مع اختلاف نوعية التهم. وكما في كل حالة مشابهة تختلط الحقيقة بالأسطورة. والمضحك بالمبكي. فمن المؤسف أن تكون عائلة الرئيس مبارك قد جمعت 11 مليار دولار، كما يقدرها الأستاذ محمد حسنين هيكل، ومن التخنيس أن يقال إنه أودع 820 مليار دولار في بنك أميركي واحد. مجموع الودائع في دولة مثل الهند لا يصل إلى هذا الحجم. وأموال أغنى عشرة رجال في الأرض لا تصل إلى نصف هذا المبلغ.

هذا في الهزل. لكن أمورنا الجدية صعبة في أي حال. فأسوأ ما يمكن أن يصيب فردا هو الخوف، أو الوسواس الخناس، وأسوأ ما يصيب دولة هو اللااستقرار. كلاهما يصيب صاحبه بالشلل. ومع عدم الاستقرار لا قدرة على التخطيط، ولا مقدرة على تحديد الرؤية. إنها حيرة الضباب، إذا تقدمت قد تقع، وإذا لم تتقدم قد يصدمك القادم من الاتجاه الآخر.

بين ضيوف المنتدى هذا العام الزميلة منى الشاذلي صاحبة برنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم». وقد فوجئت أن الناس تهتم ببرنامجها مع أنه «قضايا مصرية خالصة». وقال لها أحدنا إنه لم يعد هناك قضايا محلية في العالم العربي. مصراتة ليست قضية ليبية. جنوب السودان ليس قضية سودانية. الخوف على اليمن ليس مسألة يمنية. وليس مسألة مصرية أبدا أن تكون مقدمة البرنامج في مثل هذا التواضع وهذه الكياسة، وأن تصغي إلى ضيفها، لا أن تعلمه ما يريد أن يقول.