نعم.. تحيا الملكية

TT

كتب إلي سعد موسوي يؤنبني على تعلقي بالنظام الملكي. يا سيدي أنا كنت جمهوريا متعصبا طيلة حياتي. ولكنني رجعت عن خطأي مؤخرا (وهو ما ينبغي أن يفعله أي مفكر) عندما لاحظت ما جرته علينا الأنظمة الجمهورية (بالأحرى الجمهولكية) الثورية من ويلات وخسائر. النظام الملكي يعطي بلداننا العربية والإسلامية، ما تحتاجه من استقرار واستمرارية وسيادة القانون، وهي العناصر الأساسية للنمو والاستثمار وجمع الثروة، وبالتالي الرفاه والنهوض. لهذا دعوت لإعادة الملكية الدستورية للعراق في شخص سليل العرش الهاشمي الأمير علي. ولكن لقد أسمعت لو ناديت حيا. الجماعة كانوا وما زالوا متلفهين للكعكة.

تقول إن المناصب في العهد الملكي في العراق انحصرت بيد فئة صغيرة من الساسة. هذا غير صحيح. لقد راجعت لك كتاب «تاريخ الوزارات العراقية» لعبد الرزاق الحسني. تبين أن 26 رجلا تولوا الحكم خلال 38 سنة من العهد الملكي. كان بينهم السني والشيعي والكردي والتركماني. قسّم الرقمين فتجد أنه كمعدل لم يتجاوز حكم الواحد منهم السنتين، وهي فترة قليلة جدا في تاريخ السياسة. جرى تداول الحكم بصورة شرعية سلسة. يقدم رئيس الوزراء استقالته للملك. يقبلها ويأمر شخصا آخر بتسلم المسؤولية منه.

راجعت القائمة فلم أجد أي شيعي فيها خلال السنوات الأولى من العهد الملكي. يشير الشيعة لذلك كدليل على احتكار السنة للحكم. بيد أنني لم أجد أحدا منهم يتكرم احتراما للتاريخ فيفسر كيف حصل ذلك. وما حصل هو أن علماء النجف أصدروا فتاوى ضد النظام الجديد وبتكفير كل من يشارك فيه. فتركوا الساحة للسنة ليتلاقفوا المناصب. استمر ذلك حتى عام 1932 حين يئست إيران من مزاحمة بريطانيا في ابتلاع العراق فأعلنت اعترافها باستقلاله. وعندئذ بادر أبناء الشيعة للمطالبة بحصتهم في الحكم. ولكن.. بعد أن فاتهم القطار. غير أن جيلا جديدا منهم أخذ يعمل ويجد حتى حصلوا على حقوقهم. كان في طليعة ذلك صالح جبر الذي تسنم الحكم في الأربعينات. تلاه آخرون وعلى رأسهم ذلك النجم الساطع الدكتور فاضل الجمالي.

بيد أن للموضوع أبعادا أخرى تمتد جذورها للحكم العثماني الذي مارس سياسة تمييزية شنيعة ضد الشيعة كجزء من نزاعه الطويل مع إيران. كان من نتائجها حرمانهم من اكتساب أي خبرة في شؤون الإدارة والحكم والجيش. وعندما تأسست الملكية في العراق لم يكن هناك أي ضابط أو قائمقام أو موظف كبير شيعي.

بعث العراق رئيس الوزراء مزاحم الباججي لمؤتمر في بيروت. خطر له عند رجوعه أن يعرج على دمشق ويقابل صديقه شكري القوتلي لحل بعض المشكلات العالقة. عاد لبغداد وقدم قائمة نفقات سفره. لاحظ أن المحاسب سددها باستثناء أجرة التاكسي إلى دمشق. نادى عليه وسأله. أجابه بأن برنامج الرحلة لا يشمل زيارة لدمشق. ولكنها كانت ضمن مهمة رسمية. كان عليك أن تدرج ذلك في برنامجك. آسف لا أستطيع دفعها. سيحاسبونني عليها.

حجز نوري السعيد عربة صالون خاصة لزيارة البصرة. لم تكن زيارة رسمية فحرر أخي موفق المدير في السكك فاتورة بـ15 دينارا. لم يمض أسبوع حتى تلقى صكا بالمبلغ من رئيس الوزراء!