الأردن ومجلس التعاون الخليجي.. ما له وما عليه!

TT

شكل قرار قمة الرياض الخليجية الأخيرة بالترحيب بطلب الأردن الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي مفاجأة للشعب الأردني كما شكل مفاجأة للخليجيين وللعرب وللمراقبين عن بعد، لكنه، وهذه حقيقة، لم يفاجئ كبار المسؤولين الأردنيين وبعض المتابعين للتوجهات الرسمية الأردنية عن قرب، فهناك حديث قديم جديد مستمر ومتواصل حول هذه المسألة، وهناك تحركات قام بها الملك عبد الله الثاني واتصالات أجراها مع عدد من قادة دول الخليج العربي قبل أيام قليلة من صدور هذا القرار، الذي قوبل على صعيد الرأي العام في المملكة الأردنية الهاشمية بالإشادة والترحيب، مع مخاوف من البعض من أنه قد يكون مجرد حلم جميل في ليلة قمراء قد يتبدد عندما تحين لحظة الحقيقة.

بقي الأردنيون منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 يشعرون بأن لهم حقا في أن يكون بلدهم جزءا من هذه المنظومة الاقتصادية العربية، فالأردن متداخل جغرافيا وديموغرافيا مع الجزيرة العربية، وهو بقي دائما وأبدا قبل الإسلام وبعده بوابتها التجارية والنزوحية والعسكرية نحو الشمال، وهو بقي دائما وأبدا حصنا متقدما يحمي ارتكازه الجنوبي من حركة المخدرات والأسلحة والمتفجرات، ولاحقا من تسلل الإرهاب وتسربه في اتجاه المملكة العربية السعودية، وبالتالي في اتجاه باقي دول الخليج العربي.

لا يشعر الأردنيون بأي فاصل، لا جغرافي ولا ثقافي ولا عشائري وقبلي، بينهم وبين أشقائهم في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي، فالعادات واحدة والمزاج واحد والامتدادات القبلية والعشائرية هي الامتدادات نفسها، وهناك تراث مشترك يتجلى في نواح كثيرة من بينها الشعر «النبطي» الذي يعود بعضه لمئات السنين ولا يزال يتداول في أماسي البادية الأردنية «من حنطة هل البلقا وتمرة هل الجوف» وكأنه قيل قبل أيام فقط، وكأن قائله النجدي لا يزال يتنقل بين مضارب البدو الأردنيين، التي استبدلت بيوت الشعر المنسوجة من شعر الماعز بـ«الفلل» والدارات الجميلة المتناثرة على مدى سيف الصحراء من منطقة معان في الجنوب وحتى منطقة المفرق «الفدين» في الشمال.

لم يشعر الأردنيون في أي يوم أنهم غرباء عن الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي، فوجودهم منذ أكثر من ستين عاما بقي حاضرا في هذه الدول الشقيقة من خلال البعثات التعليمية الريادية ومن خلال البعثات الطبية، وأيضا من خلال الذين ذهبوا إلى هناك، وبخاصة في خمسينات القرن الماضي بعد نكبة فلسطين الأولى في عام 1948 مع عائلاتهم ليشكلوا مجتمعات اندمجت مع الأيام مع مجتمعات الدول المضيفة، وأكبر مثال على هذا أن الكويت وحدها كانت تستضيف قبل مغامرة صدام حسين الحمقاء والمشبوهة نحو نصف مليون أردني من أبناء الضفتين ومن اللاجئين الفلسطينيين حملة الجنسية الأردنية.

كل هذا وغيره جعل الأردنيين يعتقدون أن من حقهم أن يكونوا جزءا من الفضاء الخليجي وجعلهم يستقبلون قرار قمة الرياض الخليجية الأخيرة بفرح غامر، لكن ومع ذلك فإنهم يدركون أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن عليهم أن يتعاملوا مع هذا التحول الهام بمنتهى الواقعية، وعلى أساس أن الدول، حتى الدول الشقيقة، ليست جمعيات خيرية، وأن العلاقات في ما بينها تحكمها، وفي كل الأحوال، المصالح المشتركة، وأنه علينا أن نعطي بقدر ما نأخذ وأكثر، وألا نشعر أشقاءنا بأننا قد نصبح عبئا عليهم، فنحن أيضا لدينا ما نعطيه، إن في مجال الاستثمارات الاستراتيجية وإن في مجال تبادل الخبرات والمشاريع الصغيرة المتعلقة بالسياحة والعقارات والزراعة والأمن المشترك.

ربما لا يعرف بعض الأشقاء الخليجيين أن دخل الفرد الأردني يأتي في المرتبة الأولى بالنسبة للدول العربية الشقيقة بعد الدول الخليجية مباشرة، وأن البنية التحتية في الأردن، الطرقات والكهرباء وتمديدات المياه وأبنية المدارس، لا تقل عن مستوى ما هي عليه في بعض الدول الأوروبية، وأن هناك في هذا البلد الصغير الشحيح الموارد نحو 25 جامعة وعددا من المعاهد العلمية المتخصصة المميزة، وأن الأردنيين عرفوا الصحافة في عشرينات القرن الماضي، وأن المملكة الأردنية الهاشمية هي الدولة العربية الأولى التي عرفت التلفزيون الملون، وأن الأمية فيها بين الذكور والإناث تقلصت حتى حدود التلاشي، وأن البطالة التي تعاني منها هي بطالة حملة الشهادات العليا، وأن هناك عمالة عربية وأجنبية تقدر بنحو مليون وافد، من بينهم نحو نصف هذا العدد من الأشقاء المصريين وحدهم.

وبتجاوز هذه المسائل كلها، وهي مسائل هامة وأساسية، فإن هناك تقديرات بأن ما أدى إلى اتخاذ هذا القرار الهام، الذي اتخذته قمة الرياض الخليجية بالإضافة إلى موجبات أنماط الحكم المتشابهة وإلى مقتضيات الفضاء السياسي والاقتصادي الواحد، هو أن هناك مستجدات في هذه المنطقة تمثلت في هذه الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية المتلاحقة، التي ستترتب عليها معادلات جديدة واصطفافات غير الاصطفافات السابقة، وهذا كله كان يجب أن يحسب حسابه قبل أن يصبح الحمل ثقيلا وقبل أن تصبح المعالجة الرادعة متأخرة وحيث سيسبق السيف العذل.

لا يمكن، وهذه المنطقة تغلي بأحداث متلاحقة غير معروف على وجه الدقة كيف ستنتهي وماذا ستغير وإلى أين ستصل وما سيترتب عليها، إلا أن يجري تعزيز هذا التكتل العربي الهام بإضافات نوعية جديدة وبسرعة، فنحن في عصر التكتلات الكونية، ولذلك وإذا كان هناك مسوغ لأن ترتبط أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي وريغا بالاتحاد الأوروبي، فإنه يجب ألا يكون مستغربا أن يصبح الأردن، الدولة المستقرة أمنيا التي تمر بمرحلة انتعاش اقتصادي رغم كل ما تواجهه من صعاب لأسباب متعددة وكثيرة والمقتدرة عسكريا، عضوا في هذه المنظومة العربية التي من المفترض أنها كالجسد الواحد، وأنه ينطبق عليها المثل القائل: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».

لقد انعقدت القمة الخليجية الأخيرة، التي اتخذت قرار الترحيب بالأردن عضوا في مجلس التعاون الخليجي، تحت وقع التهديدات الإيرانية، وعلى أعلى المستويات، لمنطقة الخليج، وهذا بالضرورة قد استدعى تعزيز هذا المجلس بحيث يصبح قوة رادعة لأصحاب هذه التهديدات الذين تجاوز تدخلهم في الشؤون العربية الخليجية وغير الخليجية كل الحدود، والذين ثبت أنه لا ينفع معهم مواصلة عزف أنغام «الأخوة» و«حسن الجوار»، وأنهم حتى يتوقفوا عن هذه التهديدات لا بد من إضاءة أكثر من إشارة حمراء لهم ولتهديداتهم.

إنه علينا ألا نخشى التحدث عن هذا الجانب، وبالصوت المرتفع والمسموع، فنحن في المملكة الأردنية الهاشمية اعتدنا على الوجود العسكري السعودي في بلادنا خلال كل فترات احتدام الصراع والمواجهة مع إسرائيل، وكذلك فإن أشقاءنا السعوديين يعرفون أننا اعتبرنا تهديد أمنهم تهديدا لأمننا عندما فتحت الجبهة الجنوبية ضد بلادهم في عهد عبد الناصر وصراع المعسكرات في بدايات ستينات القرن الماضي فكانت لنا تلك المشاركة العسكرية الفاعلة.

وهذا حدث مثله عندما استهدفت سلطنة عمان بذلك التدخل الذي أطلقه نظام اليمن الجنوبي، الذي كان يعتبر نظاما ماركسيا، ولذلك ولشعور الأردن أن استهداف هذه الدولة العربية هو أيضا استهداف له، فإنه لم يتوان عن إرسال وحدات من قواته المسلحة دفاعا عن أشقاء كانوا يواجهون جبهة عالمية رأس حربتها نظام عدن الماركسي - اللينيني السابق، وتضم كل منظومة الاتحاد السوفياتي ومعها الكثير من الدول العربية التي تعتبر نفسها تقدمية وثورية.. إننا فضاء واحد، ولذلك فقد كان الأردن فعالا في إسناد معظم الأشقاء الخليجيين بالمدربين العسكريين وبالخبراء الأمنيين ليتمكنوا من تعزيز قدرات دولهم للدفاع عن نفسها إزاء أي طارئ، ولهذا فإنه أمر طبيعي أن تتخذ القمة الخليجية الأخيرة هذا القرار الذي اتخذته.