الصبر لا العقاب لباكستان

TT

إسلام آباد – (باكستان): أثار اكتشاف أن بن لادن كان يعيش على بعد أقل من ميل من الأكاديمية العسكرية الباكستانية الكثير من الأسئلة الهامة عن كفاءة الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية، وسلط الضوء على ضعف الدولة الباكستانية. وهناك ضغط كبير من منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة لتعيين لجنة تتولى التحقيق في الهجوم على المجمع الذي كان يسكنه بن لادن في مدينة أبوت آباد، واتخاذ إجراء حاسم ضد المسؤولين عن الإهمال الذي سمح للقوات الأميركية بدخول الأراضي الباكستانية دون أن يتم رصدها. كذلك تم التشكيك في قدرة القوات المسلحة على حراسة الحدود مع أفغانستان وسيطرة الحكومة المدنية على الشؤون الأمنية. ويقابل الموقف المتأجج في باكستان غضب مبرر من الأميركيين لأن بن لادن، أشهر إرهابي في العالم، كان يقيم لمدة 5 سنوات في مدينة تعج بأفراد الجيش الباكستاني. لكن يمكن أن يعرض أي رد فعل مبالغ من قبل واشنطن العملية الديمقراطية في باكستان إلى الخطر، ويدعم الجيش، أو ربما يؤدي إلى توليه مقاليد الحكم. إن دعم الحكومة المدنية الديمقراطية بالنسبة إلى الولايات المتحدة هو الطريقة الوحيدة لضمان السلام والاستقرار والرخاء في المنطقة.

لا يمكن لواشنطن أن تفصل علاقتها العسكرية عن علاقتها السياسية بباكستان، فأميركا تحتاج إلى تعاون باكستان حتى تتمكن من سحب قواتها بسلاسة من أفغانستان قبل حلول عام 2012، في وقت يجب على إدارة أوباما فيه أن تنهي الحرب في أفغانستان لضمان فوز الرئيس الأميركي بفترة رئاسية أخرى. لا يمكن أن يكون هناك سلام في أفغانستان دون مساعدة ولو محدودة من باكستان.

على الجانب الآخر، لا غنى عن الجيش الأميركي والمعونة الاقتصادية بالنسبة إلى باكستان. كذلك عندما تواجه باكستان صعوبات هائلة في الداخل، لا يمكنها تحمل إثارة غضب أميركا. على القادة في البلدين الامتناع عن المواجهة وإيجاد طرق أخرى لإصلاح الضرر، فدفع القيادة السياسية الباكستانية نحو الحافة لا يجب أن يكون من الخيارات المطروحة.

ينبغي على واشنطن عدم الاستجابة إلى إغواء تبني سياسة عدوانية وقطع المعونة أو تكثيف الغارات الجوية. لكن تظل أخطر خطوة من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية هي قرار الكونغرس وقف التمويل الذي يتلقاه الجيش الباكستاني. فربما يلبي مثل هذا الإجراء العقابي حاجة أميركا إلى التعبير عن عدم رضاها، لكن ستكون عواقبه غير محمودة.

فأولا: سوف يكسب ذلك المفهوم السائد في باكستان بأن الولايات المتحدة حليف لا يعتمد عليه يتخذ إجراءات أحادية الجانب مزيدا من القوة. ثانيا: سوف يؤكد الرأي القائل بأن الولايات المتحدة تفضل الهند على باكستان ويعزز هوس المؤسسة الأمنية الباكستانية بمعاداة الهند.

وهذا بدوره سوف يجدد عزم باكستان على أن يكون لها موقف حاسم وتواجد كبير في أفغانستان خاصة في منطقة قبائل البشتون من خلال حركة طالبان الأفغانية والجماعات الأخرى التي تتخذ موقفا معاديا للولايات المتحدة. ويرى الكثيرون في المؤسسة الأمنية أن هذه الاستراتيجية سوف تساعد باكستان على الفكاك من محاصرة الهند لها.

وسيكون هذا طريقا محفوفا بالمخاطر بالنسبة لباكستان، حيث سيؤدي إلى أعمال انتقامية ويزيد عدم ثقة الغرب والهند في باكستان، بل ربما يشجع الهند على ملاحقة جماعة عسكر طيبة الإرهابية التي تتخذ من باكستان مقرا لها والتي تزعم الهند والولايات المتحدة أنها وراء هجمات مومباي عام 2008 وهو ما أدى إلى هجوم الولايات المتحدة على شبكة حقاني حليفة حركة طالبان في باكستان. مثل هذه الخطوات من شأنها أن تجعلنا ندور في حلقة مفرغة من الاتهامات والاتهامات المضادة تؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار والفوضى في باكستان والمنطقة.

تمنح الأزمة الحالية الجيش الباكستاني فرصة للتخلي عن هوسه الاستراتيجي المضلل. وينبغي على الهند أن تستغل هذه الفرصة للمضي قدما وتطبيع العلاقات مع جارتها بدلا من الشماتة فيما يحدث لباكستان من مصائب وأحداث مؤسفة.

أثبت مقتل بن لادن عدم كفاءة الجيش الباكستاني، بينما تستجمع حركة طالبان الأفغانية قواها في باكستان.

إن الفشل في التصرف بكل قوة وحزم ضد المتطرفين الإسلاميين في الداخل لم يعد خيارا. لكن تحتاج الولايات المتحدة إلى التحلي بمزيد من التفهم والصبر، بينما تقوم باكستان بهذا التحول الاستراتيجي الضروري. فإذا اتجهت أميركا نحو عقاب لا دعم باكستان في هذه المرحلة الصعبة، سيكون الجيش الباكستاني أمام صراع إرادات خطير، وربما يتجه إلى اتخاذ موقف انفعالي بدافع الحس القومي لن يؤدي إلا إلى ضعف الجهود المشتركة المبذولة لمحاربة الإرهاب.

* الكاتب محلل عسكري وفريق متقاعد في الجيش الباكستاني

* خدمة «نيويورك تايمز»