الانتخابات التركية: مد وجزر

TT

رغم أن معظم استطلاعات الرأي الأخيرة تلتقي عند استحالة حدوث أي مفاجأة تغير المعادلات والتوازنات القائمة داخل البرلمان التركي بعد انتخابات 12 يونيو (حزيران) المقبل فإن الكثير من المتابعين يحذرون القيادات والأحزاب من التسرع في إعلان الانتصار المبكر في حملة انتخابية طغى عليها أكثر من تطور سياسي وأمني وما زالت عرضة للكثير من المفاجآت.

الانتقادات الأهم التي توجهها المعارضة لرجب طيب أردوغان يتصدرها تحميله المسؤولية في تصاعد المواجهات الكلامية وتبادل الاتهامات بين القيادات السياسية واللعب على أوتار المذهبية والعرقية والقومية في البلاد خصوصا من خلال تلويحه بالورقة العلوية في وجه كمال كليشدار أوغلو زعيم المعارضة وتراجعه الأخير عن قبول وجود مشكلة كردية في تركيا بل هناك مشكلات لأكراد تركيا ينبغي حلها، وتذكيره دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية بضرورة دفع الثمن السياسي للأشرطة الإباحية التي يتم الكشف عنها في توقيت وصفه الأخير بالمؤامرة ضد حزبه لإبعاده عن البرلمان.

«العدالة والتنمية» يريد انتصارا ثالثا في الانتخابات المقبلة يسهل له الانفراد مرة أخرى بإدارة شؤون البلاد ويمكنه من إنجاز ما فشل فيه أو تجنب الاقتراب منه حتى الآن بسبب التوازنات السياسية والعقائدية الحساسة في تركيبة البلاد وفي مقدمة ذلك طبعا إقرار دستور جديد وحسم موضوع الحجاب في الجامعات ومواصلة الإصلاحات والتغيير في سلكي القضاء والجيش تحديدا. وربما هذا ما يقلق أردوغان ويدفعه ليكون أكثر تشددا في خطبه ومواقفه أمام القواعد الشعبية لحزبه ولعب آخر ما يملك من أوراق يعرف أنها قد ترتد سلبا عليه لكنها مغامرة لا مفر منها أمام الهدف الكبير المطروح.

تواصل ازدياد أصوات حزب الشعب الجمهوري اليساري المعارض والذي نجح في كسب 80 في المائة من المؤيدين لمشروع الضمان الاجتماعي العائلي ورقته السياسية الهامة في حملته الانتخابية والانتكاسة التي تعرض لها مشروع النظام الرئاسي في تركيا الذي يبني عليه أردوغان حساباته السياسية في العقد المقبل ربما هي في مقدمة المسائل التي تغضب أردوغان في هذه الآونة. لكن الذي يزعج زعيم حزب العدالة على المدى البعيد هو ربما المفاجأة التي قد تأتي من مناطق جنوب شرقي تركيا حيث الغالبية الكردية التي فرض عليها النظام الانتخابي التركي المشاركة بترشيح قياداتها كمستقلين في أكثر من مدينة وهي تردد أن حصتها ستزيد هذه المرة على 30 مقعدا في البرلمان التركي الجديد مما يعني تراجع أصوات العدالة والتنمية في تلك المناطق لا تقل تأثيرا عن الضربة القوية التي وجهت إليه في الانتخابات المحلية التي وقعت قبل عامين.

«العدالة والتنمية» يريد على ما يبدو أن يصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد:

- إنزال الضربة القاضية بالحزب اليميني القومي من خلال إبعاده عن مجلس النواب المقبل من خلال حرمانه من فرصة تجاوز حاجز العشرة في المائة لانتزاع الحصة الأكبر من مقاعده التي ستوفر له فرصة التفرد في السلطة لأربع سنوات جديدة. وربما الإنذار الموجه من قبل مروجي هذه الأشرطة لدولت بهشلي زعيم الحزب بالتنحي قبل 18 من الشهر الجاري قد يتحول إلى القشة الحاسمة في هذه المنازلة.

- انتزاع المزيد من المقاعد في المدن التركية الكبرى التي ينافسه عليها حزب الشعب الجمهوري خصوصا في مدن تعذر عليه اختراقها حتى الآن تقع في غرب وجنوب غربي تركيا بينها شنقله وأزمير المطلتين على بحر إيجه.

- التصدي لمشروع حزب السلم والديمقراطية الهادف لإنزال الضربة القاضية به في مدن جنوب شرقي تركيا، هذه المناطق التي كان تقاسم أصواتها مع الحزب المدعوم من قبل أنصار أوجلان وقواعده الشعبية قبل 4 أعوام.

التصعيد الأمني والتعرض لموكب رئيس الوزراء التركي قبل أسابيع وتذكير عبد الله أوجلان بأن منتصف يونيو المقبل نقطة فاصلة في ملف القضية الكردية داخل تركيا والتراجع الأخير لحمائم حزب السلم والديمقراطية لصالح الصقور الذين يتزايد عددهم بعد ارتفاع عدد قتلى أنصار حزب العمال الكردستاني، كلها مسائل تلتقي عند مقولة أن أكراد تركيا يريدون هم أيضا الاستفادة من دروس الثورات العربية وأن مقاطعة الانتخابات بين الاحتمالات المطروحة كما تردد بعض الأصوات الكردية المتشددة إذا ما تدهور الوضع الأمني أكثر فأكثر في تلك المناطق.

أنصار «العدالة والتنمية» يقولون إن رجال الطابور الخامس يسيرون يدا بيد مع جماعات انفصالية وأخرى من بقايا الدولة العميقة تلتقي مصالحهم في إبعاد حزب أردوغان عن السلطة وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه من أزمات وخضات قبل 10 سنوات فمن الذي سيحسم الموقف؟