الأموال هي سبب المعركة في طهران

TT

في ظل نظام الخميني، وضعت وسائل الإعلام الإيرانية قواعد لغوية من شأنها – لو فُهمت – أن تلعب دورا أساسيا في فهم أحد أغرب الأنظمة في العالم الحديث.

أول قاعدة من هذه القواعد هي عدم وصف أي ظاهرة من وجهة نظر عقلانية، حيث لا تستطيع الخمينية، وهي آيديولوجيا مبنية على كلام لا تفهمه سوى فئة معينة، قبول دور العقل في تشكيل الأحداث.

وقد تكون مثل هذه القواعد، التي تستخدم تسميات مجردة لوصف الواقع، مفيدة في مجتمع قبلي بدائي به قليل من المصالح والتطلعات المتضاربة، ولكن تطبيق مثل هذه القواعد على مجتمع معقد مثل إيران أقل ما يقال عنه إنه أمر ساذج.

كان أحدث المصطلحات المتداولة هو مصطلح «الميل المنحرف»، الذي ظهر للمرة الأولى عام 2009 عندما استخدمته صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية، والتي تعكس وجهات نظر «المرشد الأعلى» علي خامنئي، لمهاجمة «أعداء الجمهورية الإسلامية» والتي لم تسمهم الجريدة. وتم إخبار القراء بأن «الميل المنحرف» هو تآمر على «التراث المقدس» للإمام، وهو اللقب الممنوح للراحل آية الله الخميني.

وفي ذلك الوقت، كان يعتقد مراقبون أن هذا النعت يشير إلى أنصار رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي الذي رفض قبول إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد كرئيس للبلاد.

وفي العام الماضي، استخدمت هذه التسمية لمهاجمة «متآمرين» لم تحدد أسماءهم كان يفترض أنهم يحاولون إحياء القومية الإيرانية، جنبا إلى جنب مع تقاليد ملكية، باعتبارها آيديولوجيا منافسة.

ولكن سرعان ما علمنا أن «الميل المنحرف» كان موجودا «داخل النخبة الحاكمة، وحتى داخل الحكومة نفسها».

وفي وقت مبكر من هذا العام، أصبحت الهجمات أكثر دقة، وعلم القراء أن «شخصا خطيرا» عرف فقط بالأحرف الأولى «إ.م» هو زعيم «الميل المنحرف».

وتبنى هذا «الشخص الخطير»، كما قيل لنا، أجندة خفية لدفع رجال الدين للعودة مرة أخرى إلى المساجد، وتطهير اللغة الفارسية من الكلمات العربية، وإحياء الإمبراطورية الفارسية.

وقد استغرقت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها «المرشد الأعلى» ستة أشهر أخرى لتحديد أن الأحرف الأولى «إ.م» تعني إسفنديار مشائي، الذي يتمتع بشخصية كاريزمية ويعد المعلم الروحي لأحمدي نجاد.

وعلى المستوى الرسمي، يعد مشائي مستشار أحمدي نجاد الخاص ورئيس مكتبه، ولكن في الواقع، يبدو أنه هو الاستراتيجي الأول للرئيس.

وحتى هذا الأسبوع، كانت وسائل الإعلام الإيرانية تتحدث عما بدا وكأنه صراع على السلطة بين خامنئي ومشائي، إلى أن قامت صحيفة «كيهان» يوم الاثنين الماضي بإزاحة الستار عن مزيد من التفاصيل من خلال الإشارة إلى «الميل المنحرف لأحمدي نجاد».

وعلى الرغم من طرح المعركة على أنها معركة آيديولوجية، ربما يكون النزاع في حقيقة الأمر حول مسائل دنيوية مثل المال. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حاول أحمدي نجاد إحياء هياكل الدولة التي تم تهميشها أو تفكيكها منذ قيام الثورة وقد حلت محلها هياكل غير رسمية تتمحور حول الملالي الأقوياء، وشرائح معينة من النخبة العسكرية والأمنية، وما يسمي بـ«الأوقاف» التي يسيطر عليها «المرشد الأعلى». وتجذب هذه الهياكل غير الرسمية ملايين الأشخاص الذين يعملون بمثابة قاعدة لدعم النظام.

وتهدف استراتيجية أحمدي نجاد، التي من المفترض أن الذي وضعها هو مشائي، إلى الالتفاف على هذه الهياكل والحد من إتاحة الأموال العامة أمامها بشكل تدريجي. والهدف هو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى الوقت الذي كان يتم فيه إنفاق دخل إيران من النفط من قبل الحكومة بدلا من جماعات المصالح غير الرسمية وغير الخاضعة للمساءلة.

ولأن رحى المعركة تدور حول المال، فقد تناولتها وسائل الإعلام الرسمية بشكل صريح إلى حد بعيد.

وتستشهد وسائل الإعلام التابعة لـ«المرشد الأعلى» بمجموعة من الحالات التي من المفترض أن يحاول فيها «الميل المنحرف» السيطرة على الأمور.

ونجح «الميل المنحرف» في حالة واحدة فقط في السيطرة على الميزانية المخصصة للثقافة، والتي تبلغ نحو 40 مليون دولار، وحاول استخدامها لترميم الآثار القديمة، وتنظيم المهرجانات الفنية، وتمويل إنتاج الأفلام والعروض المسرحية. وبعد معركة كبيرة، نجح «المرشد الأعلى» في السيطرة على ما يقرب من نصف الميزانية ليتم توزيعها بين الملالي وإنفاقها على «تعزيز أغراض دينية».

وفي حالة أخرى، قام «الميل المنحرف» بإبعاد الشركات التي يسيطر عليها «مجتبى»، ابن «المرشد الأعلى»، عن مشروع ترفيهي وعقاري بقيمة 100 مليون دولار في جزيرة كيش. وبدلا من ذلك، تم جلب مستثمرين إيرانيين وأميركيين لمساعدة الحكومة في تنفيذ المشروع.

وفي حالة ثالثة، أقام «الميل المنحرف» شراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل السيطرة على شركة «إيران خودرو»، وهي أكبر شركة لصناعة السيارات في إيران، ولم يكن من الغريب أن تغضب دوائر الأعمال المرتبطة بـ«المرشد الأعلى».

وتتعلق حالة أخرى بخط للسكك الحديدية من خليج عمان إلى آسيا الوسطى. ومرة أخرى، فشلت حاشية «المرشد الأعلى» في الحصول على حصة في المشروع التي تبلغ قيمته 30 مليار دولار، والذي من المقرر أن يستغرق عشر سنوات حتى يكتمل.

كما أثار «الميل المنحرف» مشاعر القلق، ولا سيما بين 200 فرد أو نحو ذلك والمدينين بنحو 50 مليار دولار للبنوك الحكومية. ومن الجدير بالذكر أن كثيرا من هؤلاء المدينين هم من الملالي الأقوياء الذين يعد دعمهم حاسما للحفاظ على مطالبة خامنئي بالقيادة.

وفقد بعض الملالي الأشياء التي كانوا يعملون عليها طوال سنوات عديدة، فهذا أحد «آيات الله» الذي كان يحتكر استيراد السكر، قد تم نقل نصف تجارته إلى شركة حكومية، وشهد «آية الله» آخر حصته من واردات القمح تختفي لأن الحكومة قامت بشراء المزيد من القمح، بسعر أعلى، من المزارعين المحليين.

وربما يكون انقلاب أحمدي نجاد الأكثر جرأة هو محاولته السيطرة على صناعة النفط، وبدأ بإلغاء وزارة النفط التي أصبحت على مر السنين عبارة عن هيكل فارغ. ويتحكم في صناعة النفط الإيرانية كوكبة من 40 شركة أو نحو ذلك يملكها ويسيطر عليها رجال الدين الأقوياء وقادة الحرس الثوري الإسلامي. وتتمثل الخطة في إنعاش شركة النفط الوطنية الإيرانية كمنشأة مملوكة للدولة تتعامل مع جميع جوانب هذه الصناعة.

ولا يزال مصير المشاريع الكبيرة، مثل مشروع خط أنابيب الغاز إلى الهند، والتي ظفر بها في البداية شركات مرتبطة بـ«المرشد الأعلى»، غير واضح.

وفي البداية، حاول أحمدي نجاد الفوز بتأييد الجيش ضد الملالي. وفي إطار برنامج الخصخصة الطموح، نقل أحمدي نجاد ملكية شركات عامة بقيمة 18 مليار دولار للجيش. وفي الآونة الأخيرة، كان «الميل المنحرف» يحاول الحد من القوة الاقتصادية للجيش، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى قيام تحالف بين رجال الأعمال الملالي ورجال الأعمال الجنرالات ضد «الميل المنحرف».

ربما يكون أحمدي نجاد قد حاول القيام بأشياء لا يستطيع القيام بها، فالصراع حول المال يكون أكثر خطورة من مجرد خلاف آيديولوجي، ولا سيما عندما نتحدث عن أموال خطيرة.