لحكمة أضاءوا لنا!

TT

نحن لا نعرف ما هي المقدمات التي تأتي بإنسان موهوب. ليس من الضروري أن يكون أبواه كذلك.. ولا من الضروري أن تكون بيئته ثقافية فنية.. ولا من الضروري أن ينتبه أحد إلى وجوده وهو صغير فيرعاه حتى يكون نجما في زمانه..

فالموهبة ليست وراثية.. ولا هي معادلة كيميائية.. ولا هي بالحرية في التربية ووفرة الكتب والطعام والشراب والمتعة بين يدي أي إنسان.

فنحن لا نعرف ما الذي كان يفعله آباء أبي تمام والمتنبي وأبي العلاء وهوميروس وشكسبير وغوته وهوغو وغيرهم.. ولا نعرف من أين جاءت عبقرية دافنشي وآينشتين وبيتهوفن وماركوني..

لكننا نعرف شيئا واحدا: كما أن في السماء نجوما تتألق أبدا، فعلى الأرض مصابيح لا تنطفئ هي الأنبياء والرسل والمصلحون وعباقرة الأدب والفن والفلسفة والعلم..

وفي كل الحضارات عصور مشرقة بأبنائها، باهرة بعباقرتها.. وعصور أخرى مثل الخريف والشيخوخة، قد خمدت فيها النار وانطفأت الأنوار.

لكن الموهبة تجيء من ناحية أخرى.. فليس من الضروري أن يكون الموهوبون ناجحين في كل عمل وعلم، وليس من الضروري أن يكونوا ألمع الناس ولا حتى أذكاهم، فقدراتهم كنوز مخبوءة، لا أحد يعرف متى تظهر.. كأنها مناجم الذهب في الأرض.. وقد تتوهج الموهبة في وقت قصير، وتنطفئ بسرعة، كما ظهرت بسرعة.

لكن الله سبحانه وتعالي عندما خلق الموهبة كان ذلك لحكمة.. فهو لم يخلقها عبثا.. وإنما لتبقى للناس وتضيء لهم.. تماما كما أرسل الأنبياء والرسل.. لذلك فلا تختفي موهبة.. وإذا ظهرت لا يستطيع أحد أن يتجاهلها.. قد يظلمها.. قد يقسو عليها.. قد يحاربها.. لكنها سوف تبقى دليلا على حكمة الله وحماقة الإنسان.

وقد يلقى الموهوب ما يشجعه من الشهرة والمجد، وقد لا يجد ذلك.. فالموهبة سلعة تحتاج إلى من يعرضها وينادي عليها ويبيعها ويلم الناس حولها.

بعض الموهوبين أساتذة في البيع والشراء، وبعضهم يفضل أن يبقى في مكانه ويرى إهدارا لموهبته أن يدل الناس عليه (على نفسه).. وفي التاريخ ألوف أخذوا أكثر مما يستحقون، وشغلوا مساحات أوسع في الكتب لأنهم أعلى صوتا وأطول ذراعا وأكثر إلحاحا على عيون وآذان الناس!