سياسة أوباما للشرق الأوسط تبدو جيدة.. على الورق!

TT

مع خطابه حول الشرق الأوسط الذي أثار ضجة واسعة، حدد الرئيس باراك أوباما لنفسه تحديا يتلخص في كلمتين: تنفيذ الوعود.

تحدث أوباما بوضوح أكبر مما توقع بعض المحللين حول قضيتين بالغتي الأهمية في الوقت الراهن، ألا وهما قمع الرئيس السوري للاحتجاجات في سوريا، والمجازفة بانفجار فلسطيني ما لم تبدأ عملية سلام جادة مرة أخرى.

حادت إجابات أوباما، في الإجابات الخاصة بكلتا القضيتين، عن استخدام حكمة اليوم (أو ربما أمس) المنمق. وعوضا عن المسارعة إلى إدانة الرئيس بشار الأسد، طالبه أوباما بتطبيق إصلاحات معينة (كما زعم الأسد أنه يرغب في ذلك) أو أن يترك الحكم. وبدلا من الانصياع لرغبة إسرائيل في التقليل من شأن القضية الفلسطينية، أصر أوباما على الحاجة إلى التفاوض ووضع بعض المبادئ لتوجيهها.

عرضت الجبهة السورية من الخطاب نموذج عمل لما ينبغي على الأسد القيام به كي ينجو، ويتمثل في وقف إطلاق النار على المتظاهرين وإطلاق سراح الأسرى السياسيين والسماح لمراقبي حقوق الإنسان بالوصول إلى درعا والمدن الأخرى المحاصرة وفتح حوار جاد مع المعارضة بشأن التحول الديمقراطي. ربما لن يستطيع الأسد تحقيق كل هذه القائمة من المطالب (والتي تتطلب منه الانفصال عن إيران)، لكن الأمر يستحق محاولة أخيرة قبل الطوفان. ومن سيحمل الرسالة إلى دمشق؟ لسوء الحظ لم يكن ذلك واضحا!

وعلى الجبهة الإسرائيلية - الفلسطينية، تحدث أوباما حول ما كان ينبغي القيام به قبل عامين - من صياغة حدود لتوجيه المفاوضات. لكن الرئيس لم يعرض خطة سلام، إنما خاض بصورة مطولة في التفاصيل ملزما الولايات المتحدة بدعم دولة فلسطينية على حدود عام 1967 بمقايضة متفق عليها بصورة ثنائية، في مقابل الاعتراف بإسرائيل والدولة اليهودية وكيان لفلسطين منزوعة السلاح. المحزن أن الرئيس لم يقدم بنية للمحادثات!

كان الرئيس أوباما واضحا بصورة تثير الإعجاب عندما تحدث عن البحرين أيضا - داعما مطلب العائلة المالكة السنية بالقانون والنظام، لكنه دعم أيضا مطلب الأغلبية الشيعية بالإصلاح. كان الخطاب رقيقا في مجمله، لكن تلك الرقة تترجم إما كلمة ذات وجهين وإما أنها ذات تأثير نفعي، اعتمادا على ما إذا كان صناع السياسة قادرين فعلا على صياغة الحلول الوسطية التي وصفتها كلمة الرئيس.

هذه الكلمة ستكون الاختبار الحقيقي للرئيس، فكل موضوع على أجندة الكرامة للشرق الأوسط يتطلب شيئا تفتقر إليه الإدارة الحالية، من قدرة منهجية على تطبيق استراتيجية سياسة خارجية عبر متابعة قوية وملتزمة. وهذه القضية العملية - لا الإطار الخطابي - هي التي ستكون الجوهر.

عانت الإدارة الأميركية الحالية على مدار عامين في محاولة تسريع التحرك والخطاب، فقد نشأ المبعوثان الخاصان للبيت الأبيض - جورج ميتشل وريتشارد هولبروك - في ظل إدارات كانت تركز على التحركات المحدودة ولم تسمح بالعمل بحرية، وهو النهج الذي أدخله الرجلان على عمليهما. وكما كتبت العام الماضي عن هولبروك، قبل موته، فإن إدارة أوباما تمتلك مهارة تقليص الشخصيات الكبيرة.

ولم تؤد هيلاري كلينتون دورها جيدا في عملية الانتهاء من هذه المشاريع، فكلينتون تسافر دون كلل، وإذا كانت الدبلوماسية تكافأ بعدد الأميال التي يقطعها المسافر لكانت تفوقت بالفعل على دين آشيسون. لكن المشكلة هي في جعل الأشياء تحدث على الأرض. وكانت كلينتون قد أعلنت مرارا وتكرارا عن زيادة في عدد الموظفين المدنيين في أفغانستان، لكني تحدثت هذا الأسبوع بالفعل مع جنرال، وقد بدا غاضبا من ندرة ما يقوم به المدنيون خارج كابل.

دبلوماسية المتابعة تتطلب شخصيات تتميز بالقدرة على السيطرة ودهاء هنري كيسنجر أو زيبجنيو بريجينسكي، وربما يكون من المحرج العودة بشكل دائم إلى هذين المحاربين الدبلوماسيين المسنين على سبيل المثال، لكن من توليا محلهما لا يتسمان بالكفاءة. من المثير للدهشة أن الرئيس عندما بحث عن نصيحة استراتيجية تحول إلى اثنين من كتاب الرأي، هما توماس فريدمان وفريد زكريا. وكانا هما أول من أشار إلى الاختلافات بين كتابة العمود (أو الخطاب) وصناعة السياسة!

لكن أين هؤلاء الأفراد القادرون، من الناحية الدبلوماسية، على إنجاح هذا الأمر؟ فتوم دونيلون، مستشار الأمن القومي، لا يتوقع أن يكون مرشحا للعب دور الكونت ميترنيخ، لكنه يبدو شغوفا بإدارة هذه العملية. أما بول بيرنز، وكيل وزارة الخارجية الجديد، فيتمتع بتجربة شرق أوسطية، وينبغي أن يكون البيت الأبيض جريئا بما يكفي لاستغلاله بصورة إبداعية. أما المبعوث الثالث المحتمل فهو السيناتور جون كيري الذي كان واحدا من أنشط وسطاء القنوات الخلفية بالحكومة الأميركية في الآونة الأخيرة عبر رحلاته إلى باكستان وأفغانستان.

شرح الرئيس الأميركي بصورة أثارت الإعجاب دور الولايات المتحدة في الربيع العربي، شملت توازنا، على الورق، صحيحا للمبادئ والبراغماتية. والآن لا يبقى إلا أن تنفذ.

* خدمة «واشنطن بوست»