ديمقراطية العكاكيز

TT

لا أعتقد أن هناك من لم يمل بعد من عروض مجلس الأمة في الكويت. وقد سمّي كذلك ليس لأن الكويت في حجم الأمة، بل لأنها كانت تتطلع إلى دور فيها، ودور من أجلها. ولم تكن لدى الكويت عقدة المساحة ولا عقدة عدد السكان، فانصرفت إلى تأسيس دولة مستقلة على غرار سائر الدول، وكان أن تقدمت الكثير منها في آفاق وحقول كثيرة.

كان أداء مجلس الأمة في بداياته متجانسا مع أداء الدولة، وضم عددا من وجوه التوازن السياسي في البلد، مع أن عددا آخر تمنّع عن دخول التجربة، وشيئا فشيئا راح يتراجع مستوى التمثيل، بدءا بطريقة خوض المعارك. وازداد بسبب ذلك انكفاء ذوي الطاقات والقدرات والوفاق والخبرات، وتحول المجلس إلى ديوانية مناكفة وعرض لمكبرات الصوت وفجاجة العمل البرلماني. وغابت القضايا لتحل محلها لجاجة الاستجوابات وكيديتها.

تطلعت بقية دول الخليج إلى المساخر البرلمانية في خوف وقلق؛ هل هناك مؤامرة «لتقريف» أهل المنطقة من مضحكات الديمقراطية وآثارها على الأسرة والمجتمع؟ من يريد لأولاده وأجياله أن يروا ماذا يحدث للحرية والعمل البرلماني؟ من يريد أن يتحول العمل السياسي إلى نق ونقار، قبل أن ينتقل إلى مرحلة الضرب بالعقالات والعكاكيز؟

فعل البرلمان الكويتي أسوأ من ذلك بكثير: هو الذي أهبط وأسقط المستوى الخطابي في الصحافة، وهو الذي صار أبشع نموذج للعروض المذهبية، وهو الذي أعاد الكويت إلى التحاصص القبلي، بعدما قطعت مراحل عدة على الطريق إلى الدولة المدنية. يشبه المجلس الكويتي من يريد تحطيم البيت ولكن بإزميل من الذهب، فالسادة «المستعقلون» أو «المستعكزون»، يرفعون دائما بنود الدستور. ويحاولون دائما تمرير الجمل من خرم الإبرة. وفي النهاية يخسرون مقعدا أو يربحون استجوابا سقيما وفارغا ومملا، لكن الذي يخسر هو الكويت؛ من سمعتها ومن صورتها ومن مكانتها. وفي الماضي كان التهريج شفاهيا لفظيا، لكن الصورة التي وزعت على العالم الآن، فيها عقالات مسحوبة وعكاكيز مرفوعة. والقضية بينهما تدور حول مسألة في غوانتانامو، حيث يبدو أنه ليس لأوباما نفسه أي تأثير. حرام عليكم الكويت والحريات والبرلمانات.

يقدم برجس حمود البرجس لكتابه الجميل «السدرة» بالقول: «بلدي الكويت يشبه سدرة جلسنا تحتها، وأظلتنا بظلها، أكلنا ثمارها ولم نتذكر يوما أننا سقيناها ماء، بل نأكل ما تنتجه من كنار».