أحمدي نجاد وسمسم!

TT

يقول الجميع في إيران هذه الأيام، إن هذه هي الشهور الأخيرة لأحمدي نجاد كرئيس. فهذا الربيع هو شتاء أحمدي نجاد ومجلس وزرائه. فهو يقف في غرفة الانتظار، في قفص شديد الظلمة، فعندما مكث في منزله أحد عشر يوما، لم يرسل المرشد - آية الله خامنئي - أي شخص لزيارته، أو دعوته إلى الرجوع إلى مكتبه. ومؤخرا، قال آية الله مصباح يزدي، أحد المؤيدين الأساسيين لأحمدي نجاد في انتخابات عام 2009 «أحمدي نجاد رجل مريض، وتوجهاته وأفعاله ليست معتدلة. فعلى سبيل المثال، عزل وزير الشؤون الخارجية من منصبة أثناء زيارته للسنغال. وأمثلة أخرى تتضمن عزل وزير الاستخبارات، ووزير البترول عندما كان رئيسا لمنظمة الأوبك!.. وإنه لمن الواضح جدا أن أحمدي نجاد ليس برجل حكيم، فقد سحر مشائي له.. فهو يلعب بأحمدي نجاد كأداة بسيطة!».

يتصرف أحمدي نجاد بطريقة «غير طبيعية»، وهو بحاجة إلى «تخليصه من هذا السحر»، كما قال آية الله مصباح يزدي لمجلة «شوما» الأسبوعية، التي تنتمي إلى حزب «مؤتلفة»، أحد الأحزاب المتطرفة بإيران.

ويؤمن أغلب المتطرفين أن أفضل مستشاري أحمدي نجاد - اسفنديار رحيم مشائي - قد استخدم التنويم المغناطيسي، وتعويذات أو سحر ليتحكم في الرئيس الإيراني المنتخب. وقال يزدي «إنني لمؤمن بأنه تم سحره».

فعلاقة الرئيس المقربة مع مشائي، ورفضه الحالي لقطع هذه الروابط، أصبحا دليلا رئيسيا على خضوع أحمدي نجاد. ويقول متطرفون إن مشائي وحلفاءه يعملون على تهميش دور رجال الدين في الجمهورية الإسلامية.

وكانت هناك أيضا انتقادات جديدة حول سياسات أحمدي نجاد. وقام أعضاء من البرلمان بتهديد الرئيس باتهامه بما وصفوه باستغلال للسلطة والقيام بأعمال غير مشروعة. وقد شبهه النقاد بالديكتاتور، مشيرين إلى قراراته خلال نهاية الأسبوع بدمج 8 وزارات وعزل ثلاثة من كبار المسؤولين، وزراء البترول والصحة والصناعة، من دون موافقة البرلمان.

ويرى محمد رضا باهونار، النائب البارز في البرلمان الإيراني، أن ذلك عائد إلى «الصعوبات الجمة» التي نتجت عن المظاهرات غير المسبوقة المعادية للحكومة التي تلت فوز أحمدي نجاد في الانتخابات المتنازع عليها عام 2009، فقد قام البرلمان بعزله. لكن الآن، فإن البرلمان سيكون صلبا مع الرئيس.. قال باهونار ذلك لموقع «مجلس» الإخباري على شبكة الإنترنت، الذي ينتمي إلى فصيل باهونار السياسي.

ويقول باهونار إن جميع الخيارات متاحة «بدءا من عملية التطهير المشروعة بأسئلة، تقود إلى تحذيرات وتنتهي بالاتهام»، وقال مصباح يزدي «يجب علينا أن نجعل الشخص المفتون (بأحمدي نجاد) مدركا لأخطائه وحفظه – هذا فقط في حالة ما إذا كانت الأسباب الطبيعية متضمنة».

وفي هذه الأيام يطلق على مشائي لقب الشيطان الكبير، ويعتبر أحمدي نجاد وكيلا له! وهذا هو الحكم الأخير عليهما.. فعقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، وما تلاها، قالت كل رموز الحركة الخضراء الشهيرة إن أحمدي نجاد ليس رجلا طبيعيا، وإنه ليس في مكانه المناسب. فقد احتل مقعد الرئاسة باستخدام رجال الأمن والقوات العسكرية. فلم تكن الانتخابات حرة ونزيهة. فقد ألقي القبض على الكثير من السياسيين الناشطين ومؤيدي الإصلاح، وحظرت الكثير من الصحف، وقُتل عدة متظاهرين، وتم تعذيب بعض السجناء. وأصبح كل من مير حسين موسوي وزوجته - زهرة راهنفارد - بالإضافة إلى مهدي كروبي وزوجته، جميعهم قيد الإقامة الجبرية في منازلهم، من دون أجهزة إنترنت، أو تليفون، أو أي اتصالات بعائلاتهم وأصدقائهم. ففي الوقت الذي لا يكونون فيه في السجن رسميا، تصبح منازلهم سجونا لهم. لكن يبدو أننا نواجه في الأيام الحالية مناخا جديدا في إيران.

فمنذ فترة ليست ببعيدة، قال بعض آيات الله، مثل مصباح وجنتي، إن أحمدي نجاد هو الثمرة الحقيقية للثورة، وإن حكومته هي حكومة الإمام المهدي. علاوة على ذلك قال، آية الله خامنئي إن مجلس وزراء أحمدي نجاد هو أفضل مجلس وزراء منذ ثورة الدستور عام 1905.

كان أحمدي نجاد في السابق معيارا في إيران، وكان أيقونة الإسلام والثورة، والممثل الحقيقي للأمة، ورمز الخير وإحياء قيم الثورة. لكنه الآن يواجه اتهامات تقول إنه تم سحره عن طريق عراف مثل مشائي. ويقال أيضا إنه الشيطان الحقيقي أو الجني الذي خدع جميع الأطراف في إيران. لكن كيف نعرف هذه المشكلة الغريبة والمعقدة؟ تصور! ترتبط العناوين الرئيسية في إيران الآن بالجني ودوره في حياة إيران السياسية. إنه لأمر غير معقول؛ فقد سمعت أن مشائي حاول الحصول على بعض الأخبار من مكتب خامنئي بواسطة جني! ومن ناحية أخرى، قامت قوات الأمن - الحرس الثوري - بتأسيس إدارة جديدة مسؤوليتها الوحيدة هي محاربة جني مشائي. وبعبارة أخرى، نستطيع أن نشهد في إيران الآن حربا عظيمة بين مجموعتين من الجن!.. أنا لا أمزح، فهذا هو الوجه الحقيقي للسياسة في إيران الحالية. لكن سؤالا كبيرا يظهر هنا، وهو: ما هي خطط مشائي والجن الذي يستخدمه؟.. ويتم تقديم آية الله خامنئي في وسائل إعلام الدولة على أنه عدو للإمام المهدي، الإمام الثاني عشر لدى الشيعة، حيث يؤمن مشائي وحواريوه، بمن فيهم أحمدي نجاد، بأنهم متصلون بالإمام المهدي مباشرة. ويبدو أنه تم حل اللغز، بمعنى أنهم لا يريدون اتباع المرشد الأعلى لأنهم متصلون مباشرة بالإمام المهدي.

الأمر الثاني، قيام أحمدي نجاد وأصدقائه بتأسيس منظمة جديدة لرجال الدين. تم القبض على مدير هذه المجموعة - أميريفار - مؤخرا! ويقول جميع المتطرفين الآن إن أحمدي نجاد وفريقه يعادون آيات الله وكليات الشريعة.

ثالثا، استخدم مشائي بصورة متكررة تعبير الإسلام الإيراني في خطبه، حيث ركز على إيران، وليس على الإسلام. وأكد على إحياء إيران القديمة. هذه القضايا ووجهات النظر الجديدة ترسم وجها جديدا للحكومة. وانطلاقا من هذه النظرية فإنهم يخططون للفوز بأغلب مقاعد البرلمان الإيراني في الانتخابات التي ستجرى في أبريل (نيسان) عام 2012. ولهذا السبب قام أحمدي نجاد بعزل وزير الاستخبارات، لكن خامنئي نقض قرار أحمدي نجاد وأمر مصلحي بالبقاء في منصبه كوزير للاستخبارات.

بالنسبة لي، تشبه هذه الأحداث الرواية العظيمة لميخائيل بولغاكوف «السيد ومارغريتا»! فربما تعلم أنه تم نسج القصص الثلاث معا في الرواية. الأول السيد ومحبوبته، بعد ذلك الشيطان والجن، وأخيرا المسيح وقتله. ويعد هذا الكتاب ثلاثية عظيمة في عالم الأدب. فالفكرة الرئيسية للرواية هي الاستبداد. فالاستبداد هو أكثر أرض خصبة للشيطان والجني، لأن جوهر الاستبداد هو الجهل المضاعف. لقد قال مشائي: افتح يا سمسم! لكن قوات الأمن أتت وقبضت على الجني، بمن فيهم سمسم! وهذا يعني أن جني خامنئي كسب الحرب! وانتهت اللعبة بالنسبة لأحمدي نجاد وسيده.