الملل.. أو الجريمة!

TT

المثل يقول: لا محبة إلا بعد عداوة.. والأصح أن يقال: لا عداوة إلا بعد محبة! لماذا؟ سوف أقول لك حالا..

والشاعر القديم يقول:

احذر عدوك مرة

واحذر صديقك ألف مرة

فلربما انقلب الصديق

فكان أعلم بالمضرة!

والناس يندهشون من أن الأصدقاء يتشاجرون ويختلفون ويكون الخلاف عميقا.. وكذلك الأزواج عن حب. وأيضا المحبون والعشاق وأفراد (الشلة) الواحدة من الرجال والنساء. لماذا؟!

أقول لك لماذا؟ فهذه العلاقات الطويلة تصيب الناس بالضيق والملل..

والملل يدفع إلى الرغبة في الهرب من الشيء الممل.. من العلاقة المملة.. من تشابه اليوم والأمس والغد.. نفس الوجوه.. نفس الكلام.. نفس المكان.. نفس الطريق.. وهنا يشعر الإنسان أنه سجين لشخص أو لأشخاص.. أو لعادات وعلاقات لا تتغير ولا تتبدل.. ويندهش الناس أكثر.. كيف أن زواجا استمر عشرين أو ثلاثين عاما انتهى بالطلاق؟ كيف أن رجلا أو امرأة عاشا في التبات والنبات وكان لهما الصبيان والبنات.. ثم جاء الطلاق عاديا حاسما.. كيف؟

الجواب: أن الخلافات والقسوة والشدة قد تتراكم على شكل غضب وسخط.. كل يوم يضاف شيء.. كل يوم حتى يرتفع حائط الخلافات بينهما.. وتتكدس، فلا يبقى إلا أن يذهب كلٌ في طريق.. والناس ينظرون إلى العشرة الطويلة، ولا ينظرون إلى التداخل والحائط الشائك، الذي يكون بين الزوجين والصديقين، في أيام وشهور وسنوات!

إنه الملل الذي يدفع الناس إلى الهرب ويدفعهم إلى العنف وإلى القسوة على مصدر الملل.. أي على الصديق والحبيب والزوجة..

قال تعالي: «إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ»، صدق الله العظيم..

فالزوجة، أو الابن، تنقلب عدوا.. لماذا؟

للضيق.. للملل.. للقرف..

وليس صحيحا أن الشعوب تكره العنف.. أبدا إنها تطلبه.. تبحث عنه.. تخلقه.. في الخناقات التي تنعش الحياة.. في الشطة التي توضع في الطعام.. في الأفلام وفي المذابح وفي الحروب!

لو حدث أن سمع الناس انفجارا أو دويا أو صراخا، فإنك تجد الناس تتوقف تماما كأنها غير مشغولة بأي شيء.. كأنها بلا عمل.. ولكن لماذا؟ لأن الانفجار أو الصراخ قد أنقذ الناس من حالة الملل واللامبالاة!