عملية اكتتاب «لينكيد إن» تفتح التساؤل أمام سلوكيات بنوك الاستثمار

TT

إذا كان يوجد درس مستفاد من الأزمة المالية التي حدثت عام 2008، يجب أن يكون الدرس هو أن خداع العميل ليس جريمة، خاصة إذا كان المخادع مصرفا استثماريا. فطبقا لتقرير أصدرته مؤخرا اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ، باع المصرف الألماني «دويتشه بنك» لعملائه سندات رهن عقاري، وصف عملية البيع أحد المتداولين في البنك نفسه بعملية «الخنازير». وفي ذات الصعيد استغل مصرف «غولدمان ساكس» عدم شك العملاء فيه للتخلص من أكثر أصوله المالية الفاسدة في عامي 2007 و2008. هذا حدث خلال فقاعة الرهن العقاري، وهذا النوع من السلوك هو السائد في عمليات الاستثمار.

لكن لا يزال الوضع كما هو عليه قبل الأزمة. حيث أصبحت شركة «لينكيد إن» للإنترنت يوم الخميس الماضي أكبر شركة أميركية في مجال مواقع التواصل الاجتماعي بين ممتهني الأعمال التجارية، تطرح أسهمها للاكتتاب العام. استعانت الشركة بمصرف «مورغان ستانلي» ومصرف «بنك أوف أميركا - ميريل لينش»، لإدارة عملية الاكتتاب العام. بعد تحديد حجم الطلب في السوق الذي تنامى شكل كبير، حدد المصرفان سهر السهم بـ45 دولارا. وحققت أسهم الشركة البالغ عددها 7,84 مليون سهم للشركة قيمة 352 مليون دولار. ومقابل هذه الصفقة حصل المصرفان على 7% من قيمة الصفقة في شكل رسوم.

وبدت تلك الأرباح مذهلة بالنظر إلى شركة صغيرة حققت أرباحا أقل من 16 مليون دولار العام الماضي، يبدو حصولها على 352 مليون دولار في حسابها شيئا مثيرا أليس كذلك؟ ولكن في الواقع هذا المبلغ ليس مذهلا على الإطلاق، لماذا؟ فعندما بدأ التداول في أسهم شركة «لينكيد إن» في بورصة نيويورك، لم يفتتح التداول عليها عند 54 دولارا للسهم أو ما يقترب من ذلك. كان السعر عند الافتتاح 83 دولارا، أي أعلى من السعر عند بداية الافتتاح بنسبة 84 في المائة. وبحلول الظهيرة ارتفع سعر السهم إلى أكثر من 120 دولارا قبل أن يستقر عند 94,25 دولار عند الإغلاق. واقتربت الأرباح في اليوم الأول من 110 في المائة.

لم يكن يساورني أدنى شك في شعور الجميع بما في ذلك شركة «لينكيد إن» بالإثارة من هذا الارتفاع كما قد يشعر أكثر المسؤولين التنفيذيين في الشركات الناشئة، فالاكتتاب العام صانع مهم لمستقبل أي شركة، وبالطبع أصبح المسؤولون التنفيذيون أنفسهم أثرياء من نجاح الاكتتاب. لكن الحقيقة هي أن الشركة تعرضت لعملية خداع قام بها المصرفان المكلفان بتولي تلك العملية.

في الحقيقة فإن تضاعف سعر الأسهم في البورصة خلال اليوم الأول من التداول، وهو الأمر الذي تعرفه المصارف الاستثمارية التي لها نفوذ ومعرفة بالطلب والسوق، أن مئات الملايين من الدولارات التي كان ينبغي أن تذهب إلى شركة «لينكيد إن» ذهبت إلى المستثمرين الذين أراد لهم مصرفا «مورغان ستانلي» و«ميريل لينش» الحصول عليها. وأؤكد أن أكثر هؤلاء المستثمرين قد باعوا الأسهم أثناء فترة ارتفاع الأسعار في الصباح، فهذه أسهل طريقة لجني الأرباح في «وول ستريت».

وكتب إيريك تيلينيوس، المدير العام لشركة «زينغا» على «فيس بوك» يقول: «إن ارتفاعا كبيرا لسعر السهم عند افتتاح البورصة لا يعد مؤشرا على نجاح الاكتتاب العام، بل على العكس يشير إلى خطأ في تحديد سعر السهم خلال عملية الاكتتاب. إن المصرفين منحا مكافأة لأصدقائهما ولنفسيهما بدلا من الالتزام بواجبهما ومسؤوليتهما تجاه عملائهما». ورغم أنه لا ضير من حدوث «ارتفاع» طفيف في سعر السهم في أعقاب طرح الأسهم للاكتتاب العام، فالمستثمرون لا يريدون شراء سهم سينخفض سعره فورا. لكن خلال فقاعة سوق الإنترنت في التسعينات، كانت هناك ظاهرة تحديد المصارف الاستثمارية لسعر السهم بقيمة منخفضة بمعدل كبير في عمليات الاكتتاب العام حتى يتمكنوا بذلك من تحويل الأموال إلى المستثمرين الذين يريدون لهم الاستفادة من الفارق السعري، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر السهم في بعض الأحايين إلى أكثر من 500 في المائة خلال اليوم الأول من الاكتتاب. يا له من فعل سيئ.

بالطبع ركز أكثر صحافيي الأعمال عند كتابتهم عن صفقة «لينكيد إن» على أن الارتفاع الذي حققه سعر السهم في اليوم الأول كدليل على أننا دخلنا في فترة فقاعة أخرى في سوق الإنترنيت. لكن أورد هنري بلودجت، الذي يعرف كيفية سير الأمور في «وول ستريت» كتب تحليلا على مدونته «بيزنيس إنسايدر»، لما فعله المصرفان بشركة «لينكيد إن». حيث قال نفترض أنك وضعت ثقتك في وكيل عقاري أقنعك ببيع منزلك مقابل مليون دولار، ثم في اليوم التالي باع المنزل نفسه إلى مالك جديد مقابل مليوني دولار وتساءل: «ماذا سيكون شعورك حيال ذلك؟» واستنتج أن «ميريل لينش» و«مورغان» فعلا ذلك مع شركة «لينكيد إن». ومن الجيد ومن المفيد أن نتذكر أن أكثر شركات الإنترنت الناشئة التي حققت عمليات اكتتاب ناجحة انهارت. وربما كان إخفاق تلك الشركات محققا منذ البداية بسبب بعض عيوب في النموذج الذي قدمته، لكن ربما ساعدت النقود التي تركوها على الطاولة في الاكتتاب العام على بقاء القليل منها.

لذا تعتبر شركة «لينكيد إن» شركة ناشئة هشة، حيث لا يزال نموذج العمل الذي تقدمه في البداية ولم يثبت قوته بعد. سيكون على الشركة أن تنمو سريعا لتبرير سعر سهمها في البورصة.

وربما يندم المسؤولون التنفيذيون ذات يوم بسبب سماحهم للمصرفين الاستثماريين بالتعاقد مع المصرفين على الاكتتاب العام. من المفترض أن تعامل شركة «لينكيد إن» من قبل المصرفين كعميل، لكن تمت معاملتها كمجرد رقم. منذ الأزمة المالية، تواجه المصارف الاستثمارية باستمرار أسئلة عما إذا كان لديها أي غاية اجتماعية سوى جني الأرباح. وكانوا يجيبون بأنهم يضطلعون بدور فاعل وحيوي في صناعة رأس المال ويعنون بذلك أنهم يعينون الشركات على تحقيق الأرباح اللازمة كي تنمو وتزدهر. وتشير صفقة «لينكيد إن» إلى صورة قاتمة، وهي أن الأزمة لم تغير هؤلاء، فهم لا يزالون أنانيين لا تعنيهم سوى مصالحهم.

* خدمة «واشنطن بوست»