الحكومة القادمة.. الجابي والصريف ثم موسكو

TT

مهمات الحكومة المزمع تشكيلها بالاتفاق بين فتح وحماس، هي من المحدودية بما ينبغي أن يحول دون الاختلاف الكثير حولها، وتحديدا حول رئيسها.

إن الاختلاف والتمترس وراء المواقف المتشددة في أمر التشكيل يمكن أن يكون مفهوما وإن بصعوبة، لو كانت الحكومة العتيدة حكومة نهائية طويلة الأمد، وذات مهام شاملة بما في ذلك العديد من الجوانب السياسية، أما وأنها ستقتصر على إعادة إعمار غزة والتحضير للانتخابات التي يجب أن تجرى خلال سنة، فلا موجب - والحالة هذه - لفتح ملفات شائكة إن لم تستغرق وقتا طويلا وجهدا كبيرا في إغلاقها فستستغرق وقتا أطول ونحن نعمل على تسويقها وتشجيع العالم للتعاون معها.

لقد كان الفلسطينيون قبل المصالحة، بحاجة إلى تغيير وزاري، وها هي الحاجة ذاتها تتكرر وتلح علينا بعد المصالحة، فليحتفظ الفلسطينيون بالأسباب الموضوعية التي دفعت إلى فتح ملف التغيير الوزاري دون أن نغرق أنفسنا في دوامة من هو رئيس الوزراء الجديد؟ وما هو البرنامج السياسي لهذه الحكومة؟ ثم ما هي حصة كل فصيل من الحقائب ومن أي مدينة يجب أن يكون رئيس الوزراء وهكذا..

وهنالك فكرة يجري تداولها في أوساط حماس، وبعض أوساط فتح، قوامها لماذا لا تحل المشكلة بأن يتولى عباس رئاسة الوزراء ليضرب عدة عصافير بطلقة واحدة. فهو بذلك يرضي حماس وبعض فتح، ويرضي تركيا وسوريا وربما قطر كذلك، ويذهب البعض إلى أن أميركا وأوروبا وإسرائيل سينامون مرتاحي البال لابتعاد شبح حماس عن واجهة الحكومة، ومن أجل اكتمال الحبكة يحتفظ فياض بالنائب الأول لرئيس الحكومة ووزير المالية، وترشح حماس شخصية غزية للنائب الثاني مع وزارة الأشغال والتعمير وبذلك تكتمل شروط المعادلة لندخل من جديد في اختبارين الأول اختبار الأداء أمام الجمهور الفلسطيني والثاني اختبار العقلانية أمام الحكام الإسرائيليين والأميركيين ومن يدور في فلكهم. فإن مرت هذه الصيغة - وأنا لست من مؤيديها، وحجتي في ذلك أنها تنطوي، رغم الشطارة، على بعض التحايل الواضح من أجل الاسترضاء وتغليف المحاصصة بألوان زاهية - أقول، إن مرت هذه الصيغة فإن الأدوار ستقلب رأسا على عقب وتصبح المعادلة قائمة على أساس أن عباس وفياض يتوليان تحصيل المال، وحماس ورجلها المقترح في غزة يتولون إنفاقه، والكل يعلم أننا لسنا حيال دولة أوروبية تخضع فيها عمليات الإشراف والمراقبة لشفافية مقدسة، فالأمر الواقع هو الذي يحكم وليست القوانين والاتفاقات.

كذلك فإن الاستغناء عن فياض رئيسا للوزراء - سواء جاء ذلك بطلب من بعض فتح وكل حماس - فإن شيئا من قلة الوفاء يمكن أن يعاب على فتح فكل الذين قالوا إن حكومة فياض هي حكومة الرئيس وحكومة فتح، سيصابون بقدر كبير من خيبة الأمل؛ إذ إن خروج فياض من الحكومة بعد فشل كل محاولات الاحتفاظ به، ستظهر على وجه التحديد من هي القوة الحاسمة التي تقول وتفعل في أمر هو من صميم مكونات سلطة عباس وحركته ومنظمته؟

إنني أدعو إلى بقاء الوضع الحكومي على حاله.. وإذا كانت هنالك حاجة لترضيات فصائلية تحت عناوين تكنوقراطية، فليبتعد الجميع عن رئاسة الحكومة ووزارة المالية والداخلية، ذلك أن التغيير لو طال هذه المواقع الثلاثة فسيكون الجميع قد فتح على نفسه أبوابا من الأفضل لهم أن تظل مغلقة ولو إلى حين.

كي لا تغضب بكين:

لن تعدم كاتبا أو سياسيا يبرر لنا أهمية الحوار الفلسطيني الجاري الآن في موسكو. وقد نجد أنفسنا في وقت ما، بحاجة إلى زيارة لسور الصين العظيم كي ندشن بجواره صلحا، مثلما دشنا بجوار الكعبة صلحنا السابق، واتفاقنا المضوع برائحة القداسة.

وإذا كانت موسكو اليوم وبكين غدا هي محطات نائية تجسد ولعنا بالسياحة السياسية، تحت عناوين وطنية مدهشة، فإن في اليونان وتركيا كذلك أماكن أكثر إمتاعا وجاذبية لجولة جديدة من الحوار ناهيك عن الفرص المتاحة لتطوير العلاقات الفلسطينية مع الدول المذكورة وقد يتطلب الأمر منا تغيير مصطلح دول الجوار إلى مصطلح دول الحوار، ونسأل الله النجاح.