حان الوقت لكي يتخلى نتنياهو عن سياسة الرفض

TT

لكل إنسان والد، ووالد بنيامين نتنياهو شخص يستحق المعرفة. هو بنزيون نتنياهو، والذي ولد قبل 101 عام في الدولة التي سرعان ما أصبحت بولندا، ويعيش الآن فيما أصبح إسرائيل. وهو مؤرخ، ألف كتابا عن «الماموث» وآخر يحظى باحترام كبير عن محاكم التفتيش الإسبانية، لكن ربما كان الكتاب الأكثر ارتباطا بأحداث اليوم، ذلك الذي ألفه عن السكرتير الأسبق لزئيف فجابوتنسكي، القائد الصهيوني المقاتل والذي تتلخص عقيدته تجاه العرب في: «لا تفعل شيئا». وهو ذات الشيء الذي يطبقه نتنياهو.

كان جابوتنسكي منظما وجنديا وكاتبا، وصحافيا كغالبية الرجال العظام. وكان مقاله الأكثر تأثيرا بعنوان «الجدار الحديدي»، وعلى الرغم من نشره في عام 1923، فإنه لا يزال وكأنه قد كتب للتو، فهو وثيقة عملية بارزة بدأت باعتراف مضلل «أولا: طرد العرب من فلسطين مستحيل على الإطلاق بأي صورة من الصور، والثاني أنا على استعداد للقسم، لنا ولأحفادنا، إننا لن نحاول طرد أو قمع العرب. وأخيرا وكما يمكن أن نصيغها اليوم، إن الكرة كانت في ملعب العرب».

وأشار إلى أن الأمر عائد إلى العرب في أن يتوصلوا إلى تفاهم مع الصهيونية - إنشاء دولة إسرائيل. كان غير آسف على الحقوق والمطالب اليهودية، وحتى يعترف العرب بهذه الحقوق ويوافقوا على المطالب سيظل اليهود خلف الجدار الحديدي. وعاجلا أو آجلا سيمل العرب من القتال وستبرز قيادة معتدلة. ثم سيعمل العرب واليهود معا. وحتى يأتي ذلك اليوم السعيد فإن المسار الوحيد للتوصل إلى اتفاق في المستقبل هو الرفض التام لأي اتفاق الآن.

المشكلة بالنسبة لنتنياهو هو أن الآن لا تعني الآن. فقد برزت القيادة البراغماتية الفلسطينية المعتدلة في الضفة الغربية (ليس في غزة بكل تأكيد)، رافضة العنف والإرهاب في الضفة الغربية، لكنه لم يختف تماما. والدولة الفلسطينية التي تمر بمرحلة الطور الانتقالي آخذة في التطور، بل هي قادرة على تولي الشرطة بنفسها. ولكن الاتحاد بين فتح وحماس الذي هلل الجميع له يمثل مشكلة بالفعل - فحماس منظمة إرهابية معادية للسامية - لكن حتى هنا فإن وجود الرغبة سيفسح الطريق.

وخلال كلمتيه الأخيرتين أكد الرئيس باراك أوباما لإسرائيل على تعهده بأمن إسرائيل. لكن كلماته تلك لقيت شكوكا كبيرة - هذا الرئيس لا يشعر بآلام أحد - وفي حديثه إلى لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية بذل الرئيس أوباما كل ما في وسعه لغرس شجرة في إسرائيل، مؤكدا على حقها في أن تكون موطنا لليهود ورفض حماس وأصر على أن «الموقف الحالي في الشرق الأوسط لا يسمح بالتأجيل»، وأصر أوباما على ضرورة تنفيذ الالتزامات.

وكما هو جار الآن، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة، وهي أن دوف ويسغلاس قد وصل. فقد كان ويسغلاس كبير موظفي أرييل شارون وكان معروفا بأنه متشدد لا يمكن معارضته. بيد أنه كان يعتقد أيضا أن قيادة السلطة الفلسطينية الحالية هي أفضل قيادة شهدتها فلسطين من المنظور الإسرائيلي منذ تشكيل السلطة الفلسطينية، علاوة على ذلك فقد أبدى الفلسطينيون اهتماما كبيرا بقوة المقاومة السلبية، فالإرهاب ينفر الناس والمقاومة غير المسلحة تثير الإعجاب. وكتب ويسغلاس في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الأسبوع الماضي يدعو إلى بدء المحادثات: «إنهم بحاجة إلى البدء فورا».

أستطيع أن أتفهم السبب وراء تردد نتنياهو في التحرك نحو بدء المحادثات، فالعالم العربي في حالة تغير مستمر، كما أن المتعصبين والمتطرفين ومعاديي السامية يتنافسون على النفوذ. وما يسمي بالثورات في المنطقة ما هو في الحقيقة إلا مضاد للثورات، عكس سياسات العسكريين الذين قاموا بعلمنة حكوماتهم وتخفيف حقدهم الدفين لإسرائيل من خلال البراغماتية الباردة. وقد لا تكون المنطقة في طريقها للتقدم، ولكنها في واقع الأمر تعود للوراء. وقد يكون هذا وقتا ممتازا لعدم فعل أي شيء.

لقد كان جابوتنسكي رجل أفعال لا أقوال، بيد أنه كان، كما قال بنيامين نتنياهو ذات مرة في الكنيست، «واحدا من عمالقة الفكر في تاريخ الصهيونية». ودائما ما يكون من الغباء أن نردد ما كان يريده رجل أصبح الآن في عداد الأموات، ولكنه قد لاحظ بالتأكيد أن الزمن ليس تغير فقط، ولكنه أيضا - كما أشار أوباما - لم يعد في مصلحة إسرائيل. فالضفة الغربية المحتلة تنذر بكارثة ديموغرافية تلوح في الأفق، بالإضافة إلى أن العالم قد تبنى القضية الفلسطينية. والقيادة الفلسطينية المعتدلة اليوم قد تختفي غدا، وحدود عام 1967 ليست أقل من الحدود الحالية من حيث الدفاع عنها، فالقذائف والصواريخ لا تتوقف عند الأسلاك الشائكة. إن المبدأ المنصوص عليه في عام 1923 قد عفا عليه الزمن، كما أنه لم يعد بالإمكان بناء جدار حديدي مرتفع بما يكفي.

* خدمة «واشنطن بوست»