نواب الرئيس في سلة واحدة

TT

سلة واحدة، هذا هو الدستور العراقي الجديد الذي تسير عليه الأمور في هذا البلد الذي كان شعبه يمني النفس بأن يأخذ الدستور العراقي الذي دفع أبناء الشعب ثمنه غاليا ليجدوه يذبح عدة مرات بأيدي من يفترض إنهم حماة للدستور.

لا أدري ما الحاجة لأن يكون لرئيس الجمهورية في بلد لا يتمتع فيه رئيس الجمهورية بأكثر من صلاحيات وصفات تشريفية وبروتوكولية لا تتعدى إرسال برقيات التهنئة والتعزية لرؤساء وملوك العالم، ما معنى أن يكون له ثلاثة نواب يكلفون ميزانية البلد المزيد من الأموال وأفواج الحماية خاصة ونحن كشعب نطالب بترشيق الدولة العراقية وليس ترهلها لهذه الدرجة التي بات معها استحداث المناصب أسهل على القادة والنخب السياسية من «شربة ماء» كما يقولون.

أوجه الاقتناع الشعبي بوجود هذا العدد من النواب لرئيس الجمهورية أمر يصعب أن يمر هكذا دون أن نتوقف عنده أو نحاول جهد الإمكان تعليل هذه الظاهرة، فإذا ما قلنا بأن البلد واسع ويمتد على قارات عديدة سنقتنع بوجود هذا الكم الغريب من نواب الرئيس ونعلل ذلك بأن الرقعة الجغرافية للبلد تجعل لكل من هؤلاء اختصاصه، ولكن العراق بلد معروف بمساحته الجغرافية المحدودة. وربما يقول البعض بأن نواب الرئيس يمثلون القوميات العرقية الموجودة في البلد وسنكون مقتنعين بدرجة أو بأخرى لو كان نائب عربي وآخر تركماني وثالث مسيحي على أساس أن رئيس الجمهورية من القومية الكردية، ولكن حتى هذا لم يكن هو السبب الذي من أجله وجدت هذه المناصب الجديدة في العراق لأن جميع السادة النواب من القومية العربية إذا ما نظرنا للأمر من ناحية القوميات وأيضا جميعهم من المسلمين إذا ما نظرنا له من ناحية الديانة وجميعهم رجال وليس بينهم امرأة واحدة حتى وإن كانت وفق نظام (الكوتا) وبالتالي فإن وجودهم بهذا الشكل لا يمكن أن يكون سوى إرضاء لقوى سياسية تنظر للمنصب على إنه «غنيمة».

وقد يقول قائل بأن صلاحيات رئيس الجمهورية كبيرة وكبيرة جدا لدرجة أنه يوزعها بين نوابه وكل منهم يؤدي دوره المناط به في بناء الدولة العراقية ولكننا جميعا نعرف أن الدستور العراقي لم يمنح رئيس الجمهورية من الصلاحيات ما يجعله يفكر في نواب وحتى لم تمنحه الموازنة الأخيرة لعام 2011 منافع اجتماعية كالتي كانت موجودة في الأعوام السابقة وبالتالي فإن نوابه أيضا بلا صلاحيات ولا منافع اجتماعية ويصبح وجودهم من عدمه سيان.

فلماذا إذن هذا العدد من النواب لرئيس الجمهورية؟ هل لأن الشعب العراقي تظاهر من أجل الإصلاح فكان رد مجلس النواب مزيدا من المناصب؟ أم لأن المرجعية الدينية أبدت رأيها وأيدت فكرة أن يكون نائب واحد لرئيس البلاد في أكثر الأحوال؟ أم يا ترى هنالك أسباب أخرى لعلنا كشعب غير مطلعين عليها؟.

أميل لوجود أسباب أخرى أبرزها أن الكتل السياسية غير مختلفة فيما بينها وإن ظهر ذلك في بعض وسائل الإعلام، وجميعها تتفق على «تقاسم كل شيء» واعتبار الانتخابات وما تحقق منها «غنائم» ويجب أن توزع حتى وإن رفض الشعب ذلك ومن يرفض «فليشرب من البحر»، وبالتالي فإن ما جرى يوم الخميس 12/5/2011 تحت قبة البرلمان العراقي من تمرير التصويت على نواب الرئيس بسلة واحدة مغطاة بشتى أنواع الخرق ليس للدستور العراقي فقط بل لإرادة الشعب العراقي الموحد وليس كما يقولون في تصريحاتهم «مكوناته» لأن الشعب العراقي موحد ولكنه يتحول «لمكونات» عندما يتحدث ساسة البلد فيقسمون المقسم أصلا ولا يكتفون بالتقسيمات المعروفة للجميع والمتداولة (سنة وشيعة، عرب وأكراد وتركمان وغيرهم) بل النخب السياسية في البلد وسعت من الهويات الفرعية هذه وجعلت «الأقسام» مقسومة إلى أقسام أصغر لدرجة التضاؤل التي بدت فيها المناصب في شكل الدولة العراقية تتضاعف لدرجة أن يكون لرئيس الوزراء ثلاثة نواب ومثلهم لرئيس الجمهورية وقد يزداد العدد في الدورة البرلمانية القادمة بحكم زيادة الأحزاب الفائزة في حينها بعد أن عرف الجميع مفهوم «اللعبة الديمقراطية» في العراق والتي باتت تؤكد على أن لكل مقعد برلماني منصبا شاء الشعب أم أبى!

ولعل السبب الذي دفع البرلمان لتمرير نواب الرئيس هو شعورهم بضرورة توفير فرص عمل للشعب العراقي من خلال استحداث هذه المناصب التي سيوفر كل منها مجموعة «كبيرة جدا» من الوظائف في مكاتب السادة النواب وحماياتهم وغيرها مما سيؤدي بالتأكيد للقضاء على البطالة!!

مجلس النواب اختتم فصله التشريعي وسيأخذ عطلته لمدة شهر ولا ندري أين سيقضي النواب عطلتهم في حر صيفنا القائظ هذا ولم يدر بخلد المجلس أن يمرر في ذات السلة الوزارات الأمنية التي طالما انتظرناها كشعب يبحث عن الأمن من خلال الوزراء أم أن نواب الرئيس أهم من أمن البلد والوطن والمواطن.

* كاتب عراقي