نعم شباب.. ولكن أولاد من؟!

TT

كانت الساعة الثالثة صباحا، عندما قررنا أن نغادر أحد مطاعم القاهرة.. المطعم قد حطم أعصابنا تماما: الموسيقى صاخبة ضارية هادمة مهلكة للأعصاب والعضلات، ودخان السجائر قد أحرق العينين واستقر في الرئتين تماما.. ولو كان الأمر بيدي لخرجت بعد نصف ساعة، ولكن الأمر لم يكن في يدي، وإنما في أيدي ضيوف من الشبان سعداء بالموسيقى والتنطيط والتدخين.

ولم أجد معنى لأن أسأل أو أتساءل عن المتعة التي يجدونها في هذه الدوشة الموسيقية الغنائية التي لا أحد يعرف ما يقوله المطرب، ولا يعرف ما يقوله جاره؛ فأنت لا تعرف ماذا تقول وماذا يقال.

ويكون الرد عليك: إن الموسيقى لا تكون ممتعة ولذيذة إلا إذا كانت انفجارا ودويا. أما لماذا يجيء الشباب إلى هذا المطعم؟ فلكي يأكلوا ويشربوا ويتنططوا ويتهامسوا. أما الكلام والمناقشات، فليس هذا مكانها. ومعنى ذلك، أنهم وجدوا المكان المناسب، أما أنا، فليس هذا مكاني. كان من الطبيعي أن أسكت، فبلعت لساني.

وخارج المطعم، كان الهواء أنقى وأهدأ، ولولا برودة الجو وخوفي من البرد لوقفت طويلا أحاول أن أغسل صدري بالهواء المنعش، ولكن مع الأسف، هذا الهواء النقي لا يطرد الهباب والتراب والنيكوتين الذي استقر في الخلايا.

وليس هذا هو المهم، ولكن الذي همني وأهمني شيء آخر؛ فقد وجدت عشرات الشبان والشابات، ونحن في الساعة الثالثة والنصف صباحا، يهتفون من سياراتهم وينطلقون إلى هذا المطعم، وبين شفتي كل واحد وكل واحدة سيجارة، وكلهم معهم الجوال.. هؤلاء الأطفال ما الذي يفعلونه بهذه التليفونات؟ ولماذا اشتراها الأب؟

يقال: لأن الأم والأب يريدان أن يعرفا أين ابنهما العزيز فقط!

وهل يستطيع أن يسمع أمه وسط الضوضاء، وهل تستطيع أن تسمعه؟ يبدو أن المهم أن تعرف أين هو فقط.. وأنه ما زال بخير.

أولاد من هؤلاء؟

والآن ماذا يفعلون؟ وإلى متى؟ ثم بعد ذلك متى يعودون إلى بيوتهم؟ وماذا يقول الأب إن قال؟ وماذا تقول الأم إن فتحت فمها بكلمة؟