أصعب من مشكلة فلسطين

TT

كل من حاول حل مشكلة فلسطين احترقت يده. لكنني الآن وجدت مشكلة أصعب منها، هي الإصلاح العربي. حاولت بريطانيا في القرن التاسع عشر ذلك بنصح السلطان العثماني بضرورة إصلاح أحوال إمبراطوريته وتطويرها وذهبت كل نصائحها أدراج الرياح. سقطت الإمبراطورية في الأخير ووقعت ممتلكاتها بأيدي إنجلترا وفرنسا. سعى الإنجليز لمواصلة فكرة إصلاح وتطوير هذه الممتلكات بإخضاعها لنظام الانتداب الذي عهد إليه بهذه المهمة، لكن الوطنيين نظروا إليه كصورة جديدة للاستعمار وثاروا عليه وأسقطوه. غير أن المحاولة لم تسقط كليا في العراق، فبقي يستمع ويطيع نصائح الإنجليز بصورة غير مباشرة، بيد أن الوطنيين لم يرتاحوا لذلك فثاروا على هذا النظام أيضا في 1958. بذل عبد الكريم قاسم ما بوسعه من محاولات إصلاحية، لكن البعثيين سرعان ما قاموا عليه وقتلوه.

لم يجرؤ أي زعيم عربي على الاحتذاء بما فعله أتاتورك. وظل الإصلاح مجرد كلمة نقرأ عنها. ونفض الغربيون أيضا أيديهم منا وراحوا يتعاملون معنا كأمة فاسدة لا سبيل لإصلاحها. بيد أن ظهور الإرهاب وتدفق المهاجرين المسلمين إلى أوروبا فرضا عليهم مراجعة الموضوع. تزامن ذلك مع انتهاء الحرب الباردة بسقوط الكتلة الشيوعية وانتصار النظام الرأسمالي. وكما ذكرت في مقالتي السابقة (الغلطة الكبرى)، لاحظ الغرب أنهم حصلوا على ذلك النصر المبين بمجرد الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان والتبشير بها. لم لا يطبقون الوصفة نفسها على بقية العالم المعادي لهم، خاصة في الشرق الأوسط؟

نفذ جورج بوش هذه الوصفة في العراق، ولم تعط الثمرة المطلوبة. وبدأ الغرب ثانية يفقد أمله في إصلاح المنطقة، بيد أن سياسيا شابا هز العالم بفوزه برئاسة الولايات المتحدة. وكان لأوباما جذوره الإسلامية والأفريقية التي امتزجت بدراساته ومؤهلاته الليبرالية. تسلم الحكم بعد أن أخذ هذا الإرهاب يهدد أمن المجتمع الغربي الذي يعتمد على نفط العرب وأموالهم. لاح له أنه بدلا من المواجهة مع سكان هذه المنطقة عليه السعي لخطب ودهم وثقتهم بالديمقراطية الغربية، فلسف ذلك في خطابه الشهير في القاهرة عام 2009 وخاطب فيه العالم الإسلامي لفتح صفحة جديدة من التفاهم والتعاون.

لسوء حظه، حاول أن يبدأ بفلسطين، فأظهر سذاجته في القضايا الدولية. فسرعان ما اصطدمت سفينته بصخرة اللوبي الصهيوني وتحطمت، أو كادت. فقدنا أملنا فيه وقد توارى عن الأنظار ليلعق جراحه وينتظر. وكانت صفحة جيدة من صفحات الصبر الجميل كافأه الله عليها بهذه الفرصة النادرة التي لم يتوقعها أحد. الانتفاضة الصغيرة في تونس. ومن حسن حظه أن وقعت هناك بين شعب ناهض ومتعلم ومتنور ومتسلح بالمنطق البورقيبي. ومنه سرى لهيبها إلى شعب متنور معتدل آخر. وكانت فرصة الرئيس الشاب أن يتفهم ويتعاطف مع هذه الحركة الشبابية في تونس ومصر التي عقدت إيمانها وآمالها على الإصلاح. تردد قليلا متخوفا أن يكون وراءها إسلاميون متطرفون، لكنه غامر في الأخير ولعب دوره في التغيير. كانت فرصته لإثبات مصداقية دعوته لفتح صفحة جديدة مع الإسلام. وهو ما سأتناوله في مقالتي المقبلة (فرصة أخرى للإصلاح).