الكلمة التي تشعل المجلس

TT

ليس صحيحا أن الطائفية كانت وراء المشاجرة غير المسبوقة التي حدثت في مجلس الأمة بالكويت بين نواب شيعة وزملائهم من النواب السنة. فهذه المشاجرة التي تعد الأولى من نوعها منذ خمسين عاما من ممارسة الديمقراطية في الكويت، كان سببها الأساسي كلمات جارحة تم التفوه بها فأشعلت القاعة، فتناقلت وكالات الأنباء صور الحادثة وتصدرت معظم الصحف العالمية. ونظرا لخطورة الكلمة فقد أجاز المشرع لرئيس أي برلمان أن يرفع الجلسة فورا، حتى تهدأ النفوس، ثم يستأنف الناس حوارهم المعتاد، وهو الأمر الذي جاء متأخرا في جلسة البرلمان الكويتي.

وخطورة الكلمة غير الموزونة تكمن في أنها قد تشعل حربا ضروسا، بين الدول، والأصدقاء والأقرباء وزملاء العمل. وقد أرسلت، قبل أيام، مجموعة من مقاطع الفيديو لمتابعي في موقع «تويتر»، تظهر برلمانات أجنبية اندلعت فيها مشاجرات عنيفة، وألقي فيها البيض الفاسد، وتقاذف الحضور بمكبرات الصوت والأكواب الزجاجية والكراسي وغيرها.. كل هذا كان بسبب الكلمة.

وكم تعج سجون العالم بالمساجين الذين لم يدركوا خطورة الكلمة عليهم وعلى متلقيها. وأذكر أن قاضيا عربيا كان يسأل محكوما بالإعدام: لماذا قتلت زميلك في العمل بآلة فتح المظاريف الحادة وقد عرف عنك دماثة خلقك؟ فقال المتهم: «لم أتحمل الكلمة التي طعنني بها فتشاجرنا فطعنته»!

والكلمة سلاح ذو حدين، فقد تنقذ بها شخصا من التهلكة، مثل ذلك الإطفائي الذكي الذي شاهدته وهو يحاول، بهدوء، أن يقنع شخصا بالعدول عن الانتحار، بإلقاء نفسه من نافذة أحد الأدوار العليا. ورويدا رويدا اقتنع الشخص بما سمع فتراجع عن قراره. وقرأت ذات يوم نقيض القصة السابقة، عندما أخفق رجل أمن غير مؤهل، في إحدى الدول العربية، في مفاوضة شاب هدد بالانتحار وكان يحمل بندقية فقال له الشرطي ما أغضبه فأقدم الشاب على الانتحار! أي أنه «أراد أن يكحلها فأعماها» كما يقول المثل الدارج.

وكم يعجبني بعض مقدمي البرامج في قناة «بي بي سي» عندما يمنعون ضيوفهم أو المتصلين من التحدث حينما يتفوهون بكلمة غير لائقة أو يوجهون اتهاما كبيرا بحق شخص غير مشارك في الحوار، وذلك لأنهم يعتبرونها مواجهة غير متكافئة بحكم أن المعني غير مشارك بالحوار. وحتى لو كانت الكلمات الجارحة موجهة لمشارك في الحوار فإنهم يفعلون الأمر ذاته حتى لا تشتعل أجواء الاستوديو. وفي هذا رقي كبير في ممارسة آداب الحوار والعمل الإعلامي، تفتقده بعض فضائياتنا ممن تقتات على تأجيج الصراعات والملاسنات الكلامية بين الاتجاهات المتعاكسة.

وكم من فتاة كانت تجهش بالبكاء ثم انفرجت أساريرها بعدما استمعت إلى كلمات طيبة حانية، من شخص أعاد البسمة إلى شفتيها. وكم من علاقة حب توطدت بين زوجين بعد سماع كلمة «أحبك». وكم من محام ترافع أمام القاضي ببراعة فنال بحسن كلماته وحججه حكم البراءة لموكله.

ولذا لا غرابة إذا سمعنا أن العرب كانت تدرك قديما أهمية الكلمة ووقعها في المجالس، إذ كانت ترسل أبناءها إلى البادية لتعلمهم الفصاحة وحسن البيان، لكي يحسن العربي التحدث مع الآخرين ويقلل من أخطاء لسانه. ولذا روي عن عمر بن الخطاب قوله: «أرى الرجل فيعجبني فإذا تكلم سقط من عيني».

[email protected]