مقترح أوباما عزز موقف اليمين المتشدد

TT

قام المشرعون الأميركيون بالتصفيق 59 مرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال كلمته أمام الجلسة المشتركة للكونغرس يوم أول من أمس. لكن الأمر الأوضح كان الهمس الذي سمعته خلال متابعتي الكلمة في رواق مجلس النواب.

جاءت هذه لدى تكرار نتنياهو رفضه مقترح الرئيس باراك أوباما الذي طرحه الأسبوع الماضي بضرورة أن تكون المحادثات مع الفلسطينيين مبنية على حدود إسرائيل الأقل لما قبل حدود 1967.

توعد نتنياهو بالقول إن «إسرائيل لن تعود إلى حدود 1967 التي لا يمكن الدفاع عنها، والقدس لن تقسم مرة أخرى».

صاحت الفتاة الجالسة إلى جواري بصوت خفيض: «انطلق يا بيبي». كان ذلك صوت إينا غرازيل الإسرائيلية البالغة من العمر 21 عاما والتي آويتها في منزلي خلال الأشهر الثمانية الأخيرة. ما أرويه لا يشابه قصة آني فرانك من قريب أو بعيد كما قد يبدو للبعض. إينا جليسة ابنتي جاءت إلى الولايات المتحدة لقضاء عام مع عائلتي لتتعلم المزيد عن الولايات المتحدة.

أنا أيضا ما زلت أتعلم، اصطحبت إينا معي لمتابعة كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الأسبوع، الأولى كانت في اجتماع لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية ثم أمام الكونغرس ورأيت خلال عينيها كيف أفسد أوباما كلمته حول الشرق الأوسط فقد عززت من دون قصد الصقور مثل نتنياهو وجعل التوقعات البعيدة بالفعل للسلام أكثر بعدا. ولعل إينا ذاتها كانت دليلا على ذلك، فرغم كونها معتدلة ومتشككة تجاه نتنياهو الرافض للتصالح، فإن الحدث حولها إلى داعمة له.

تعيش إينا، التي هاجرت أسرتها إلى الولايات المتحدة وهي طفلة، في شمال إسرائيل لكنها من مركز سياستها. فكونها من الطبقة الوسطى وغير متدينة التحقت بالمدرسة الثانوية في الكيبوتس قبل أن تتعلم إطلاق الرصاص من بندقية إم 16 وتصبح مجندة في الجيش الإسرائيلي. وقد صوتت لصالح حزب كديما في الانتخابات الماضية لأنها كانت غير راضية عن وجهات النظر المتشددة لحزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.

إينا وطنية للغاية، وعندما طلبت منها أن تحدد لي سبب الصراع قالت لي إن نسبة 80% من أسباب هذا الصراع تقع على عاتق الفلسطينيين. كما أمطر حزب الله الحي الذي تقيم فيه مرتين بالصواريخ وقد دفعها القصف الأخير إلى الهرب إلى تل أبيب.

لكنها ترى أن دولتها مذنبة هي الأخرى. فهي تعتقد أن الغارة الإسرائيلية على قافلة المساعدات المتجهة إلى غزة كانت عملا غبيا، وأن مساعي نتنياهو للتوسع في بناء المستوطنات عمل غير حكيم. ووصفت دولتها بأنها متعالية، وتبدي إينا تعاطفا تجاه الفلسطينيين فتقول: «لقد انتهكنا منازلهم. لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك».

ما يميز إينا والإسرائيليين الآخرين هو أنهم يحملون نظرة تشاؤمية إلى حد بعيد، فهي تدرك تماما أن الأوضاع يمكن أن تزداد سوءا في إسرائيل من دون اتفاقية سلام، لكنها لا تتوقع التوصل إلى ذلك السلام في حياتها. فتقول: «إن الأمر أشبه بمعادلة تستعصي على الحل. هذا الإحساس باليأس أكده الاستقالة الأخيرة لمبعوث السلام الأميركي للمنطقة، جورج ميتشل، وزاد من صعوبة ما يعانيه جيل إينا، فتقول: «نحن ساخرون للغاية ولا نثق في أي أحد».

لسوء الحظ فقد شجع أوباما هذه السخرية الأسبوع الماضي عندما طرح اقتراحه المعيب الآن «حدود دولة إسرائيل وفلسطين يجب أن تكون على أساس 1967، مع الاتفاق المتبادل».

ويؤكد أوباما والمدافعون عنه أن ذلك لم يكن اقتراحا جديدا، لكن كما وثق كاتب الـ«واشنطن بوست» غلين كسلر فإن هذا التصريح «مثل تحولا كبيرا». وبعدما وقع الدمار عاد أوباما ليعدل من تصريحه بالقول إن الحدود يجب أن تختلف عن تلك التي كانت قائمة يوم الرابع من يونيو (حزيران) 1967».

كانت إينا مندهشة عندما علمت أن القدس وهضبة الجولان والضفة الغربية هي حدود عام 1967. وقالت «هذا جنون. هذا غير ممكن. إنها ستكون قريبة للغاية من تل أبيب».

ولم تغير عبارة «مقايضة متفق عليها» من شيء على الإطلاق. فبالنسبة لإينا، أصدر أوباما تهديدا وجوديا لإسرائيل ووضعها في موقف غير مألوف. وببراعة مع بيبي. وعندما أخبر أوباما في المكتب البيضاوي أن حدود 1967 يتعذر الدفاع عنها، ابتهجت إينا. وقالت: «إنه بطلنا الآن. هو صوت إسرائيل».

كانت إينا تعلم تماما أن نتنياهو لن يعقد اتفاق سلام، وبعد أن استمعت إلى نتنياهو وبعد أن استمعت إلى قائمة مطالب نتنياهو من الدولة الفلسطينية ـ القائمة التي اعتبرها مسؤول فلسطيني «إعلان حرب» ـ كانت تعلم أنها لا يمكن أن تشكل بداية على الإطلاق. وقالت «لا يمكنني تخيل وجود الدولة الفلسطينية على الخريطة».

لكن ذلك كان أقل أهمية بالنسبة لإينا، واهتمت برفض نتنياهو الصارم لمقترح أوباما المثير للمخاوف. وتقول: «ليس من السهل رفض ما قاله الرئيس الأميركي»، ولو أن هناك انتخابات وشيكة «سأصوت لصالح بيبي».

كان هذا هو السبب في كون كلمة أوباما خطأ فادحا، دفعت أحد المعتدلين الإسرائيليين من إينا إلى ذراعي نتنياهو، فقد عزز أوباما من موقف اليمين المتشدد.

* خدمة «واشنطن بوست»