سليم عمامو

TT

مر خبر استقالة وزير الدولة التونسي لشؤون الشباب والرياضة سليم عمامو مرورا عابرا في الإعلام، لكن في الحقيقة فإن استقالة شخصية من طراز عمامو أمر يجدر بمجتمعات ما بعد الثورات التوقف عنده والتأمل في أسبابه ومعانيه.

عمامو كان مدونا وناشطا وأحد الوجوه الشبابية المستقلة والمعارضة في الثورة التونسية، وقد ذاع صيته من خلال مدونة «نواة تونس» التي يعتبر أحد مؤسسيها، وقد سجن خلال «ثورة الياسمين» وفي عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

خرج عمامو من السجن ليفاجأ بقرار تعيينه وزيرا في الحكومة الانتقالية التي ستقود البلاد إلى انتخابات نيابية. حينها، لم يكن لعمامو أي انتماء سياسي، بل بدا تعيينه بمثابة مكافأة لشباب الإنترنت التونسيين الذين ألهمت ثورتهم الملايين، وكانت إيذانا بانطلاق ربيع العرب..

بعد أشهر قليلة من مزاولته مهمة رسمية أعلن عمامو استقالته قبل أيام لأن «هذا الدور السياسي لم يصنع من أجله»، بحسب ما أعلن على صفحته على موقع «تويتر». فقد اعترض عمامو على عودة الرقابة على الإنترنت بعد قرار السلطات إغلاق أربعة مواقع إلكترونية بناء على طلب الجيش التونسي..

إنه السبب نفسه الذي جعل عمامو ناشطا قبل الثورة، أي لوقف تسلط الدولة وضمان وجود صحافة تقليدية وإلكترونية حرة..

تعيين عمامو وزيرا واستقالته بعد أشهر قليلة يشيان بذلك الاضطراب الذي تعيشه مجتمعات الثورة اليوم، إذ لا تزال ملامح الصدام الذي يتكرر في تونس ومصر بين من باتوا يعرفون بـ«الشباب» وبين قوى من النظام القديم، وهذا الصدام يمكن لحظه في كثير من المنعطفات التي تخوضها مجتمعات تونس ومصر.

فالانتقال نحو الديمقراطية الكاملة لا يزال مسارا طويلا، ويبدو أن عثرات كثيرة ستواجهه، إذ يبدو أن القطع مع الماضي، سواء من حيث نمط التفكير وآليات العمل، لا يزال غير منجز على أكثر من صعيد.

فخروج قيادي شاب إلى الحياة السياسية من خبرات تمت إلى عالم الاتصالات الحديث بصلة لا يبدو أنه ممكن في الظرف الحالي على الأقل. فالفجوة بين الطبقة السياسية التقليدية وبين العالم الافتراضي، والذي صنع الثورات ما زالت قائمة، وليس من المنطقي أن تردم في هذه الفترة السريعة. ثم إن المهمة التي أنجزتها شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة في دول مثل تونس ومصر تحتاج كي تستمر في مرحلة ما بعد الثورات إلى مساع لإيجاد وظيفة لها في بناء الدولة بعد أن كانت وظيفتها المساعدة على إحداث التغيير.

استقالة عمامو انتكاسة أكيدة أصيبت بها التجربة التونسية، إذ كان هذا الشاب «الموديل» الذي اقترحته الشرائح الشبابية على النخب التقليدية. الاستقالة تمثل نصرا موضعيا للنظام القديم وهو على كل حال ليس نظاما سياسيا وإنما نظام اجتماعي وذهني وأخلاقي.

ربما على عمامو وجيله أن يبحثوا عن استراتيجيات مواجهة خلاقة لعدم السماح باستمرار ذهنية العهد المنقضي.

على كل، من أنجز ثورة الياسمين لن تعجزه عثرات من هنا وهناك..

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام