مرة أخرى.. المرأة والسيارة والقيادة

TT

المجتمع السعودي مجتمع شاب في معظمه، ويكاد يكون غالبه موجودا في المدن الثلاث الكبرى (الرياض وجدة والدمام)، وهو من أكبر الشعوب العربية استخداما للإنترنت ووسائط الاتصال الحديثة كلها، ويدرس نحو أكثر من ألف طالب وطالبة من السعوديين في الخارج، تحظى أميركا بنصيب الأسد منهم.

مجتمع متنوع في بلد واسع المساحة، متنوع التضاريس، متعدد الثقافات المجتمعية كأي مجتمع كبير وغني وثري.

المرأة دوما هي التي تتجه إليها الأنظار في لحظات التحولات الاجتماعية الكبرى، وفي السعودية تحديدا حدث ذلك بشكل واضح أثناء عزم الدولة، في عهد الملك سعود، فتح المدارس النظامية لتعليم البنات، وإصرار الملك فيصل على المضي في هذا الطريق، على الرغم من «الحملات» المحتجة من قبل كثير من المتحمسين الدينيين و«الدعاة» - كما يسمون الآن - بل وتسيير الوفود المتتالية من أجل ثني الحاكم عن المضي قدما في هذا القرار، وفتحت أولى المدارس النظامية بحماية القوات العسكرية في بعض الأماكن.

خطب وتحريض، وتعبئة اجتماعية في دولة حديثة الولادة، لكن كل ذلك لم يفلح في إيقاف منح الفتاة السعودية حقها في التعليم الحديث، دون إلزام للجميع، فمن أراد أن يعلم ابنته فليعلمها، ومن لا يرد فلا يجبر، وهكذا كان. ووصلنا إلى المرحلة التي افتتح فيها خادم الحرمين، الملك عبد الله، قبل أيام، جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات، وهي صرح جامعي ضخم جدا للبنات، قادر على تدريس وتخريج ستين ألف طالبة!

ووصلنا إلى مرحلة مشرفة للفتاة السعودية الجديدة، بحيث صرنا نفخر بها، مثل الدكتورة العالمة، حياة سندي، والباحثة المرموقة، الدكتورة غادة المطيري، والسياسية المعروفة، ثريا عبيد، والدكتورة المميزة، خولة الكريع.. وغيرهن وغيرهن، في داخل البلاد وخارجها.

أين كنا، حين فتحت مدارس البنات، وأين وصلنا الآن؟

لو أننا أصغينا إلى مطالب المحرِّمين والخائفين حينها؛ كيف سيكون مصيرنا؟ وهل ستخرج لنا عالمات أمثال الكريع وغادة وحياة مثلا؟

مسألة قيادة المرأة للسيارة هي تماما مثل هذه المسائل السالفة، مجرد تردد معتاد ومعروف أمام كل جديد، عادة معروفة في المجتمعات المحافظة، السعودية وغيرها، قيادة المرأة للسيارة مسألة تحولت مع الوقت إلى موضع «تراشق» بين تيار يرى أنها معركة: أكون أو لا أكون، وآخرين يرون أن في المنع غمطا لحق المرأة السعودية «الطبيعي» أسوة بكل نساء المسلمين، بالذات في دول الخليج، أي أن المسألة برمتها «تسيّست» وأشبعت تسييسا، كما ذكر رئيس التحرير الزميل طارق الحميد في مقاله الأخير.

هذه - حقا - مسألة ابتذل النقاش فيها أكثر مما يجب، وأصبحت مدخلا للنيل من الموقع الإنساني للبلد برمته، في الإعلام العالمي. وفي ظني قد حان الوقت لحسم هذه المسألة وطي هذه الصفحة التي أضرت بجميع الأطراف، مجرد عادات، وتأخر في القرار الإداري، طال عليها الأمد فتحولت إلى شيء لا يمكن المس به، وهذه مشكلة العادات إذا هاب الجميع تغييرها.

المرأة السعودية هي جزء من النسيج العام والثقافة الحاكمة، وقيادتها للسيارة لن تغير من ثقافتها أو أخلاقها، ومن لديه تحفظات فيمكن أن تُناقش ويوضع لها الحلول المنطقية، لكن المنع للمنع، ليس حلا، هو مسكن مؤقت فقط.