لماذا يحتاج الصحافيون الأميركيون مساعدة زملائهم العرب؟

TT

بينما تعصف رياح التغيير في منطقة الشرق الأوسط، ما زال سؤال واحد يثقل كاهل المراقب الغربي العادي: هل هذه بداية شرق أوسط يحكمه الإسلاميون؟ خلال زيارتي الأخيرة إلى الولايات المتحدة، كان واضحا أن هذا ما أراد أن يعرفه قادة الفكر، والعلماء، وصانعو السياسات من واشنطن العاصمة إلى لوس أنجليس. وعلى الرغم من هذا التعطّش لمعرفة المزيد عن دور الإسلاميين والزعماء الدينيين في دول الشرق الأوسط التي تنتقل إلى الديمقراطية، لا نجد مكانا لأصواتهم في وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية. سألت مؤسسة «غالوب» المصريين، بعد الثورة، ما هو الدور الذي يجب أن يؤدّيه الزعماء الدينيون في صياغة التشريعات الوطنية (القانون). وأجاب سبعة أشخاص من عشرة (69 في المائة) أن مثل هؤلاء القادة يجب أن يؤدّوا دورا استشاريا، في حين قال 14 في المائة إن مثل هؤلاء القادة يجب أن تكون لهم سلطة كاملة لوضع القانون. وهذا مؤشّر واضح على أن المصريين لا يهتمون بخلق نظام تشريعي على غرار نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.

بالنسبة لأي أميركي من أصل عربي، فإن الخوف المحيط بدور الإسلام أو الزعماء الدينيين في الحكم في المنطقة ليس بالشيء الجديد. ومن المثير للاهتمام أن النظامين اللذين أطيح بهما في تونس ومصر كانا من بين أكبر المؤيّدين لما يمكن أن يسمى نظرية «الجماهير الإسلامية». وتقول هذه النظرية إنه في المكان الذي تترسّخ فيه الديمقراطية الحقيقية وتقرير المصير، ستعتمد الأمم حتما نظام حكم يتراوح بين جمهورية إيران الإسلامية (في أحسن الأحوال) وحكم طالبان في أفغانستان (في أسوأ الأحوال). ولتبرير قمع تطلعات شعوبهم، غالبا ما قدم القادة أنفسهم كالبديل الوحيد المستقر في البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية بمنظور القوى الغربية. وقد ساهم هذا النهج بشكل غير مباشر في خوف الغرب من أن يؤدّي الإسلام دورا محوريا في الحياة السياسية للمواطنين العرب. والنتيجة الحتمية لمثل هذا النشر المتعمد للخوف من جانب بعض الأنظمة في المنطقة، إضافة إلى خوف وعدم إلمام الولايات المتحدة بالشريعة هي قلة المحاولات الجادة، إن وجدت في الأساس، من جانب وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة للتحاور وفهم مثل هذه الجماعات أو جدول أعمالها، وسياساتها، ورؤيتها بشأن الحكم، والديمقراطية.

وخلال إقامتي في الولايات المتحدة على مدى أسبوعين تابعت عن كثب التغطية المحلية للتطورات في المنطقة، ولم أتمكَّن من العثور على ممثّل واحد عن أي حركة إسلامية أو زعيم ديني بارز تمّت مقابلته من قِبل أي مصدر للأخبار الرئيسية في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، فإن الصحافيين المصريين، الذين يعيشون الآن في بيئة صحافية أكثر انفتاحا وحرية، يكرّسون وقتا طويلا وموارد كثيرة لدراسة مختلف الآراء والبرامج الخاصة بعدة حركات إسلامية داخل البلد، سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو غيرهم. وقد ظهر في الأسابيع القليلة الماضية، عشرات من ممثّلي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في معظم برامج النقاش السياسي وناقشوا مخاوفهم ومبادئهم ورؤيتهم السياسية لمصر الجديدة. وتسلِّط العديد من هذه التفاعلات الضوء على التيارات الفكرية المتنافسة وغير المتّسقة أحيانا داخل مثل هذه المنظّمات على نحو يتجاوز ليس فقط حدود الأجيال بل الحدود الآيديولوجية إلى درجة أكبر من أي وقت مضى. ومع ذلك، يدرك أولئك الذين يعيشون في المنطقة أنه في الماضي، لم يكن الدعم المقدَّم إلى هذه المجموعات دائما نتيجة فلسفة دينية للحكم، ولكن كان تصويتا ضد الوضع الراهن. وكان فوز حماس في الانتخابات التشريعية في 2007 مثالا جيدا على ذلك.

ومن خلال دراسة الحركات الإسلامية وتطلعات المواطنين العرب بعمق، يمكننا أن نبدأ في اكتشاف الدور الذي سيؤدّيه الإسلام في الحكومات الجديدة المشكَّلة في البلدان التي تمر بعملية التحوّل إلى الديمقراطية. وفي المنطقة المتغيرة، ربما حان الوقت لكي يساعد الصحافيون المصريون والعرب نظراءهم الغربيين للتغلّب على الخوف المرضي من وجهات النظر الإسلامية لتزويد المتلقين للأنباء في الغرب بوجهة نظر أكثر وضوحا ودقة وعمقا عن مثل هذه الحركات.

واليوم، يشعر العديد من الصحافيين في الشرق الأوسط لأول مرة بالحرية لاستكشاف وجهات النظر، والتيارات العكسية، والآيديولوجيات داخل منظمات مثل جماعة الإخوان المسلمين وغيرها في مصر. ولكن لا يزال العديد من المنظمات الإخبارية الأميركية يتحدّث عن هذه الحركات من منظور أحادي، وبعيد، وعفا عليه الزمن. على هذا النحو، فإنهم غير قادرين على إشباع الرغبة الصادقة بين جمهورهم لتشكيل توقّعات أكثر صحة بشأن الواقع السياسي لمنطقة تتجه إلى الديمقراطية.

* كبير المحلّلين

- مركز «غالوب» في أبوظبي