في المجلسين

TT

لم يخترع البريطانيون تجارة الرق وشراء البشر كالمواشي، بل إنها بدأت في سومر، العراق القديم. ولم يكن البريطانيون أسوأ المتاجرين بالعبيد، وإنما الأسوأ كانوا الأفارقة الذين تاجروا بأهلهم واصطادوهم في الأفخاخ، مثل الطرائد. إلا أن الإمبراطورية البريطانية كانت أكثر من نشر العنصريات، والأميركيين كانوا أسوأ من مارسوها على مواطنيهم. ولم أستطع النظر إلى وقوف باراك أوباما في مجلس العموم واللوردات، إلا كونه حدثا تاريخيا، يعلن ختام صفحة عار شديدة الألم والمرارة في تاريخ البشرية وهمجيات الرجل الأبيض.

أولا، رئيس أميركا أفريقي في بلاد العبيد، وثانيا هو الذي يصفق له وقوفا، في المجلس الذي اخترع فكرة الطبقات، قبل أن يتحول إلى رمز الديمقراطية في العالم. ليس مهما ماذا قال أوباما أمام هؤلاء السادة ذوي الرداء المطرز والشعر المستعار المضحك.. فالأقوال تعدّل وتبدّل وتبرّر. الحدث، بالنسبة إليّ، هو ما عبرته البشرية بعد زمن طويل وآلام عظيمة.. وهو أيضا ما لم تعبره. ففي الكونغرس الأميركي، الذي أقيم بوحي وستمنستر، كان الرجال يصفقون للعنجهية والعنصرية وقحّة الاحتلال. وكانوا يقفون لرجل يعلن أنه بسبب أمنه لن يرد الأرض لأصحابها. وكان يكذب على العالم أجمع وهو يردد أن الفلسطينيين هم الذين رفضوا السلام، ناسيا أنه هو الرجل الذي رفضت أرملة إسحق رابين استقباله عندما جاء يعزيها في زوجها. لقد رأت فيه نموذج الإسرائيليين الذين قتلوا مسار التسوية.

أمام التسوية زمن آخر وطريق طويل: أن يرتقي الناخب الإسرائيلي إلى مستوى «الرد» لا أن يبقى مع نتنياهو على مستوى «التنازل»، وأن تتحرر تلة الكابيتول من العبودية الإسرائيلية، وأن يشعر الكونغرس بالخجل والحياء من أنه يمثل اللوبي الإسرائيلي أكثر بكثير مما يمثل ناخبيه ومصالح دولته.

لن يبقى التاريخ على غروره.. ولا على عماه. وليس صحيحا أنه يكرر نفسه، بل هو يصحح ظلمه وفحشه.. والدليل هو الفارق في يوم واحد بين الرجل الذي يصفَّق له في وستمنستر، وذاك الذي يهبون له على تلة الكابيتول. كلاهما أميركي المولد: واحد اختار أن يعمل من أجل الحرية، وواحد يرفض الخروج من زمن حامورابي.