كيف سيتركها؟

TT

يكرر المرء نفسه أحيانا، لا لكي يثبت قدرته على التحليل، بل ليؤكد اعتماده بداهات الأشياء. وعندما عرض الشيخ زايد على صدام حسين أن يستضيفه، إنقاذا لنفسه وللعراق، كتبت أن الديكتاتور لا يذهب إلا وقد أخذ معه بلده وشعبه. بعد مضي عقود من التسلط لا يعود الديكتاتور قادرا على التمييز بين مصيره ومصير شعبه. يحارب المؤامرة المفترضة على نظامه، بالتآمر على شعبه وأرضه. وصفهم الأخ القائد بعد 42 عاما بالجرذان والجراثيم والمهلوسين، ويصفهم الأخ المشير بالعملاء والخونة. يحيك الديكتاتور الأكاذيب ثم يصدقها. يتفرج على الدماء في الساحات وكأنه مشاهد للأخبار في كاليفورنيا. يحذر من الحرب الأهلية ويشعلها. يعد بسهولة رخوة، وينكص بطريقة فجة. يتهم الداخل والخارج بالانقلاب عليه، وهو الذي انقلب على الشرعية والقانون وسخر المسميات، وجعل من الديمقراطية والاقتراع مسخرة وممسحة على بوابة القصر الجمهوري.

لم يترك هتلر ألمانيا إلا وقد أصبحت رمادا. ولم يهرب موسوليني إلا بعدما أصبحت إيطاليا ذليلة وجائعة ورافعة أيدي الاستسلام. فعل هتلر كل ذلك باسم ألمانيا والمحافظة عليها. استكتب، هو وموسوليني، الكُتاب الذين قارنوا بينه وبين المسيح. طبعا لصالحه. معمر القذافي لم يقبل بأقل من أن يشبه بالأنبياء. وصدام أصدر مرسوما يجعله من سلالة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).

يصبح عدد القتلى عند الديكتاتور جزءا من نشرة الأخبار. والدماء التي يراها هي دماء جراثيم، في أي حال. والمنازل التي يقصفها ليست سوى بيوت الأعداء، الذين قرروا بعد 33 عاما أن يقولوا له: كفى يكفي كفاية. تعاني الشعوب دائما من مرض السذاجة. ظنوا أنهم عندما يقولون له ارحل سوف يشكرهم على العقود الثلاثة الماضية، وعلى ترقيته عسكريا، ومن محافظ إلى رئيس، ثم يحزم حقائبه ويمشي. لكن الشعوب مصابة بوباء السذاجة وطيبة القلب. ولا تعرف أن صفا طويلا من الرقباء صاروا ماريشالات وحملوا عصا الماريشالية وصاروا رؤساء ولم يذهبوا إلا بالحرب: أحمد سوهارتو، مثالا. جوزف موبوتو. جان بيدل بوكاسا، الذي عين نفسه إمبراطورا. لائحة طويلة ومملة ونهايات متشابهة. ولكن بعد ماذا؟

ماذا ترك صدام السلطة؟ وكيف سيتركها صالح، وماذا سيبقى من ليبيا؟ الذي حمى مصر وتونس من «الصمود» ثم من تداعيات التنحي هو القوات المسلحة. رأى الجيش الرئيس يسقط فقرر ألا يسقط البلد معه. وإلا لكان بن علي لا يزال يعد التونسيين بأن الوضع سوف يكون أفضل في ولايته التاسعة، ولكان مبارك لا يزال يعد مصر بأفضل مع خبرات جمال. غريب أن يلعب الجيش الدور الفاصل في الحياة الديمقراطية. اللهم احم اليمن، من تفسير المشير للديمقراطية.