زمن العثور على المطلوبين

TT

ليس هناك علاقة بين مقتل أسامة بن لادن في باكستان، واعتقال راتكو ميلاديتش في صربيا. لكن أوجه الشبه كثيرة. فالأول كان يعيش مطمئنا، من دون أي تغيير في ملامحه، والثاني تطارده مخابرات الأطلسي والغرب منذ 16 عاما، ولا تعثر عليه. لماذا تقرر أن تكشف أميركا الآن مقر إقامة بن لادن، ولماذا قررت الحكومة الصربية أن تعثر على «جزار البلقان» اليوم؟

دعونا نسيء الظن قليلا. هناك من يريد أن يقول لنا إن ذراع الانتقام الأميركية طويلة وإن مذكرات التوقيف الدولية تبقى سارية المفعول. وفي الحالتين تكافأ الدولة المعنية على إخفاء الرجل المطلوب ثم تكافأ على كشف المخبأ. في الحالة الأولى تتظاهر الدولة بأن لا معرفة لها بالبيوت العالية الأسوار، وأن الأسلاك الحديدية لم تثر شكوكها، وذلك خوفا من الانتقام. أما في الحالة الثانية فتفرح في تسليم المطلوب، طمعا في المكافآت الأوروبية وعضوية الاتحاد، لدولة كانت تعتبر خارجة على القانون. انتهى الأمر، بعد اعتقال ميلاديتش أصبحت داخلة على القانون.

لم يكن ممكنا لصربيا أن تدخل الوحدة الأوروبية قبل أن تعتقل آخر المتهمين – وأسوأهم – في مجازر البوسنة. ألم تقم المحكمة الدولية بسبب جزارها الأكبر، سلوبودان ميلوسيفتش؟ لكن العصبية الصربية لم تكن تسمح بتسليمه إلا منهكا. الجزار لم يكن بارعا في التخفي، وهو صاحب أشهر معالم منظمة في البلاد، بل كان يعتمد على تواطؤ الناس وتغافل الدولة وواحد من أشهر أجهزة المخابرات في العالم. ومن أقساها أيضا. وفي نطاقه ليس أقل من جهاز المخابرات الباكستاني في دائرته. وكيف تعذر على أشهر جهازين أن يلمحا أشهر مطلوبين في العالم، واحد بسبب مجزرة كبرى ضد الغرب، وواحد بسبب أسوأ مجزرة ضد المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية.

لن نعرف ثمن اعتقال ميلاديتش على الفور. والمحكمة الدولية تتأنى في إعداد الملفات قبل الشروع في المحاكمة. أما الآن فسوف نبدأ في سماع الحكايات عن «اختباء» الجزار. وفي أي مقهى كان يحب الجلوس وكم عشيقة غيّر في سنين الفرار.