لماذا يفعلون بأوطانهم وأنفسهم هكذا؟!

TT

سأل طارق الحميد في نهاية مقاله الذي نشر في السابع عشر من مايو (أيار) بـ«الشرق الأوسط» سؤالا هاما للغاية. ووجه هذا السؤال إلى القذافي وبشار وعلي عبد الله صالح وبن علي وغيرهم، وكان نص السؤال: «لماذا يفعلون بأوطانهم وأنفسهم هكذا؟».

كيف نستطيع أن نحلل ونحدد وجهتهم، حياتهم الآن في السجن؟ قرأت في جريدة «الأهرام» أن سوزان مبارك قد قامت بتسليم أموالها وفيللتها إلى الحكومة. جاء في الخبر: «وقعت سوزان ثابت زوجة الرئيس السابق حسني مبارك أمس على إقرار أمام مندوب الشهر العقاري بتنازلها عن أملاكها المتمثلة في فيللا مصر الجديدة وجميع حساباتها بالبنوك التي تضم ‏20 مليون جنيه‏،‏ وذلك لمصلحة الدولة‏.‏

وأكد الدكتور محمد فتح الله مدير عام مستشفى شرم الشيخ الدولي أنه لا يمكن نقل زوجة الرئيس السابق إلى محبسها في الوقت الحالي، أو قبل أسبوع نظرا لحالتها الصحية الصعبة. وأوضح أنه جرى تأجيل إجراء عملية القسطرة في القلب لها، لإصابتها بارتفاع شديد في ضغط الدم، وصل إلى 190 على 120، بالإضافة إلى اضطراب عصبي حاد».

وقال الدكتور عادل عدوي مساعد وزير الصحة للطب العلاجي «إن أمانة الصحة النفسية تلقت خطابا لإرسال طبيب نفسي، وإنه في طريقه لمستشفى شرم الشيخ لمعاينة حالة المريضة. وأوضح عدوي أن حالة الرئيس السابق النفسية متقلبة، ويميل إلى الاكتئاب، ولا يريد التحدث مع أي شخص».

هذا هو حال مبارك وحال زوجته، فنحن الآن نواجه سوزان ثابت وليس سوزان مبارك! وهذه إشارات صغيرة جدا، ولكنها هامة للغاية. حيث إنها تعني أن هناك فارقا بين مبارك وسوزان. لم يتحدث مبارك إلى أحد، حتى جمال وسوزان. فكيف ولماذا وصلوا إلى مثل هذه الدرجة؟

على صعيد آخر، نحن نشاهد الثورة الحقيقية في مصر، كرمز للربيع العربي. فما هو السبب الرئيسي لهذه الثورات في البلاد العربية والإسلامية؟ كنت أفكر وأبحث عن التفسير الصحيح لهذه الأحداث. ووجدته. يقول توماس فريدمان في مقاله الأخير:

«وكما حاولت أن أوضح، فهذه الانتفاضة ليست سياسية في الأساس. وإنما وجودية. فهي تنتمي لألبير كامي أكثر من انتمائها لتشي غيفارا».

وكان هناك تعليق مدهش في الموقع الإلكتروني لبوابة «الشروق»، بخصوص مقال فريدمان «أنا إنسان!».

بواسطة: محمد أبو العلا.

أنا إنسان:

«لا فرق بيني وبين أي إنسان آخر على وجه هذه الأرض. هذا ما كان الليبي يريد أن يقوله، وهو ما قاله قبله المصري وقبله التونسي، ويقوله الآن كل إنسان في الأمة العربية، واستعدوا أو لا تستعدوا يا أهل الغرب، فهذا الإنسان قد نهض ليسترد مكانه الطبيعي على هذه الأرض. والسلام».

هذا تفسير رائع، حيث يرغب الجيل الجديد في أن يحتل موقعه الطبيعي والحقيقي في العالم. وليس هذا اتجاها جديدا، أو أمنية جديدة، فالكثير من الأجيال كانت ولا تزال تتوق للحرية والقيم الإنسانية.

ويبدو لي أننا نستطيع أن نوظف طباعنا وطرقنا الخاصة. فهذا أمر واضح للغاية، فالاستبداد مناف للهوية الحقيقية للبشر. فهو يحطم جذور الروح. وينضب أرض البشرية الخصبة. لذا يسعى المجتمع إلى إيجاد مناخه الحقيقي للتمتع بالحياة والاشتياق للحرية. أتذكر عندما كنت أدرس بجامعة بهلوي في شيراز، كان هناك بعض الطلاب من بلاد عربية، من بينها مصر والمغرب والأردن. وذات ليلة كان صديقي من مصر يتلو قصيدة لنزار قباني، والتي جسد فيها حلمه:

يا أيها الأطفال

من المحيط للخليج

أنتم سنابل الآمال

وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال

ويقتل الأفيون في رؤوسنا

ويقتل الخيال

يا مطر الربيع

يا سنابل الآمال

أنتم بذور الخصب

في حياتنا العقيمة

وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمة

ألف نزار هذه القصيدة عام 1967، بعد النكسة! حيث كانت تملأ الجيل القديم مشاعر الخوف والإحباط، كما يقول نزار:

لا تقرأوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال

فنحن خائبون

ونحن مثل قشرة البطيخ تافهون

ونحن منخورون..

منخورون

منخورون كالنعال..

لا تقرأوا أخبارنا

لا تقبلوا أفكارنا

لا تقتفوا آثارنا».

وأريد أن أركز على فجوة عميقة جدا بين الجيل الجديد والجيل القديم. فنحن نواجه فجوة واسعة بين الحكومة والشعب، تتسع مع كل قطرة دم تراق، وكل دمعة تسيل. يعيش الجيل القديم بناء على التقاليد. وهذه التقاليد أشبه بسحابة كثيفة تغطي أعينهم، فلا يستطيعون إدراك الرؤية الحقيقية. ويعتقدون أن معرفتهم واتجاهاتهم أفضل من الجيل الجديد. فهم لا يستطيعون أن يقولوا مثل نزار قباني: «لا تقتفوا آثارنا!» ولكنهم يقولون مثل القذافي: إن لم تتبعوني، فسأقتلكم. فقد بذل القذافي أقصى ما في وسعه لقتل الليبيين، وكذلك بشار في سوريا.. وغيرهما. هؤلاء القادة يظنون أنهم مالكو الحقيقة ومركزها، والبقية، أعني شعبهم، عليها أن تطيعهم. فالبلد بالنسبة لهم مثل فناء خلفي في ملعب أو إقطاعية، أما الشعب فعليه أن يطيعهم كالعبيد. فالسبيل الوحيد للحرية هو أن تقدّر القائد وأن تشعر بالفخر لأنك تحيا في عهده. وهذا يعني أن وجهة نظرهم شكلها خيالهم. فهم يقفون على الرمال، على أرض غير ثابتة. وفجأة، تختفي الأرض من تحت أقدامهم ويقعون في واد، لا يسمع أحد صرخاتهم، كما جاء في القرآن الكريم:

«أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ».

هذه هي وجهتهم الأخيرة. يخسرون كل شيء. ويشعرون بالوحدة. وحدة مخيفة جدا، لا يطيعهم أحد، ولا يسمعهم أحد، ويحاول كل شخص أن يقول إنه ليس هناك ارتباط واضح بينه وبين الحكومة.

بعد الربيع العربي، استيقظوا من نومهم الهادئ وهم يتمايلون كالمخمورين. فهم لا يستطيعون تحديد المسافات، فيقعون على الأرض. ويكونون هم الخاسر الأكبر، لأنهم فقدوا كل شيء، حتى أنفسهم! عندما نسوا شعبهم ونسوا الله، لذا نسوا أنفسهم. أريد أن أعود إلى السؤال الذي اقتبسته من طارق الحميد، حيث أعتقد أن هؤلاء القادة يقتلون شعبهم لأنهم يعتقدون أنهم يفعلون أقصى ما في وسعهم: «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (الكهف: 104).