«هيكل» يلعب بالبيضة والحجر!

TT

كان الأسبوع الماضي، في مصر، هو أسبوع الأستاذ محمد حسنين هيكل بامتياز، ولم تكن هناك صحيفة كبيرة، أو حتى صغيرة، إلا وكان فيها مانشيت عريض، أو أقل من مانشيت، عن ثروة الرئيس السابق حسني مبارك في الخارج، والتي أصبح «هيكل» طرفا مباشرا فيها، بمجرد نشر الجزء الأخير من حوار أجري معه في «الأهرام» على ثلاث حلقات، وكانت آخر حلقة يوم الثلاثاء قبل الماضي.

الحوار أجراه الأستاذ لبيب السباعي، رئيس مجلس إدارة الصحيفة، وفي الجزء الثالث، جاءت إشارة قوية عنه، في الصفحة الأولي، وكان أحد عناوين هذه الإشارة، كالآتي بالحرف: هيكل.. المعلومات الموثقة تقدر أموال مبارك في الخارج بـ9 إلى 11 مليار دولار.

في اليوم نفسه، كنت ضيفا في برنامج «آخر كلام» على قناة «أون تي في» التي يملكها رجل الأعمال نجيب ساويرس، وحين جاءت سيرة الجزء الثالث، على لسان الأستاذ يسري فودة، مقدم البرنامج، قلت إنني أحب أن أوجه عدة أسئلة، بهذه المناسبة، للأستاذ هيكل.. وكان السؤال الأول عن وثائقه التي يملكها عن ثروة مبارك في الخارج، وعما إذا كان عليه أن يقدم هذه الوثائق لجهاز الكسب غير المشروع، الذي يحقق في القضية، ويبحث عن أي وثيقة من هذا النوع.. فالرجل يقول إن معلوماته موثقة، وهو طول عمره يقول إنه رجل وثائق، وإنه يستطيع أن يحصل عليها من تحت الأرض، وإنه يملك ما لا يملكه غيره في هذا الاتجاه، وإنه.. وإنه.. وبالتالي، فهو حين يتكلم بهذه الثقة، ويحدد رقما بهذه الطريقة، فلا بد أنه يملك وثائق فعلا، ولا بد أنه جاد فيما يقوله، ولذلك، فمن واجبه أن يقدم معلوماته، ووثائقه، للجهاز على الفور، لنسترجع بها أموال الشعب!

بعدها بيوم، أعلن المستشار عاصم الجوهري، رئيس جهاز الكسب غير المشروع، استدعاء هيكل لسؤاله عن وثائقه ومعلوماته، وتم تحديد يوم السبت قبل الماضي، لذهابه إلى الجهاز.

ويبدو أن الاستدعاء فاجأه، ويبدو أنه لم يكن يتوقعه، ويبدو أنه ارتبك أمام الاستدعاء، وسوف نعرف أسباب الارتباك حالا.. ولم يكن أمامه.. والحال هكذا، إلا أن يستمهل الجهاز قليلا، وقد استجاب له المستشار الجوهري، وتم تحريك الموعد من السبت، إلى الاثنين الماضي!

قبلها بساعات، كان «هيكل» قد ذهب في زيارة لمبنى مؤسسة الأهرام، ولسبب ما، قرر أن يتحلل ولو قليلا، من كلامه عن ثروة الرئيس السابق، وأن يسحب وثائقه ومعلوماته غير الموجودة أصلا كما سوف نرى، فقال وهو يتحدث مع أسرة تحرير «الأهرام» قبل ذهابه لمقر الجهاز بـ48 ساعة، إنه ليس خبيرا في ثروة مبارك، وإن الوصول للحقيقة في هذا الموضوع مهمة الجهات المعنية بالأمر وحدها!

وهنا، بدا للجميع أنه بدأ يلعب بالبيضة والحجر، كعادته.. ذلك أن أحدا لم يناقش في أن الوصول للحقيقة مهمة الجهات المعنية، فهذه بديهية لم تكن في حاجة لتأكيد منه عليها، بمثل ما أنها ليست في حاجة لتأكيد من غيره، ولكنه، لطبيعة فيه لا تريد أن تفارقه، ولا أن يفارقها، فهو يترك أصل الموضوع، ويخوض في تفاصيله، متصورا، أو متوهما، أن القارئ سوف ينسى الأصل وينشغل بالتفاصيل.. فالأصل، أنه قال - متطوعا - إن لديه وثائق ومعلومات مؤكدة، عن حجم ثروة مبارك بالضبط.. أما التفاصيل فهي تتعلق بمهمة طبيعية للجهاز في الوصول إليها، حين تتاح له، كجهاز مختص، معلومات ووثائق على هذا المستوى المؤكد.

ومن هنا، فقد خاب ظن الجهاز، ومعه الناس، في «الأستاذ» كما يحلو لمريديه أن يطلقوا عليه.. وتبين عند ذهابه إلى مكتب رئيس الجهاز، صباح الاثنين، للإدلاء بشهادته، أنه لا يملك معلومات، ولا وثائق، ولا بيانات، ولا حاجة أبدا، وأن الرجل الذي صدَّع رؤوسنا بالحديث عن قدرته الخارقة في الحصول على وثائق، ليست لديه أي وثيقة ولا معلومة من أي نوع، عن 11 مليار دولار، قال إنها ثروة الرئيس السابق في الخارج، ولم يكن أمام الجهاز، والحال هكذا أيضا، إلا أن يصرفه بإحسان، وأن ينبه عليه، بطريق غير مباشر، بألا يتكلم في الموضوع، مرة أخرى، إلا إذا كان يملك معلومات ووثائق فعلا، لا أن تكون مجرد أوهام.

ولم يشأ الجهاز أن يكتفي بذلك، وإنما راح يرجو الجميع، أي هيكل وغيره، أن يضعوا مصر وظروفها الحالية، نصب أعينهم، مناشدا الإعلام، وهيكل جزء منه طبعا، ألا يقع في غواية إرضاء الرأي العام بناء على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.. هكذا تنص كلمات البيان الرسمي الصادر عن الجهاز!

وكان اللافت للنظر، بل المدهش، أن هيكل وهو يشهد أمام الجهاز، قد راح يتنصل من مسؤوليته عن العناوين التي نشرتها «الأهرام»، لحواره معها، وقال ما معناه، إنه غير مسؤول عن العنوان الذي جاء في الصفحة الأولى، مع أنني قد قارنت بناء على كلامه، بين العنوان الذي يقصده، وبين متن الحوار، فوجدت أن العنوان وارد بنصه، في ثنايا الحديث، وأن «الأهرام» لم تخطئ، حين وضعت العنوان بصيغته تلك، لا لشيء، إلا لأن العنوان موجود في كلام «هيكل» فعلا، ولم تختلقه الصحيفة، ولا ابتدعته من العدم!

وأظن، وبعض الظن ليس إثما، أن هذا التنصل من جانبه، وهذا التخلي من ناحيته، عن الصحيفة، قد ترك في نفوس القائمين عليها مرارة شديدة، وما لبثت المرارة أن ظهرت على السطح، بعدها بيومين اثنين!

ففي الجزء الثالث إياه، كان هيكل قد قال الآتي بالحرف أيضا: بكل ثقة.. لم يكن أحد من أبنائي صديقا أو شريكا لأحد من أسرة مبارك!

وجاء هذا التصريح منه، ليثير الحيرة لدى العارفين بأن أحد أبنائه، كان شريكا لجمال مبارك في شركة «هيرمس» المعروفة، وهي مسألة لم تكن سرا على مدى سنوات طويلة مضت، وكانت متداولة ومشهورة، فلماذا يأتي «هيكل» الآن وينكرها تماما، بكل هذه الثقة.. لماذا؟!

الجواب تكفلت به «الأهرام» نفسها، إذ بعد أن تخلى هو عنها، أمام جهاز الكسب غير المشروع، قررت هي من جانبها، في تقديري، أن تضحي به، ولو لمرة واحدة، كما ضحى بها هو!

ولذلك، نشرت «الأهرام» على صفحتها الثالثة صباح الأربعاء الماضي، خبرا بارزا بالعنوان التالي: حسن هيكل كان شريكا لجمال مبارك ومجدي راسخ - والد زوجة علاء مبارك -.. وجاء نص الخبر كما يلي بالضبط: كشفت إفصاحات الشركات المدرجة في البورصة الخاصة بالمجموعة المالية «هيرمس» التي يشغل حسن هيكل منصب رئيسها التنفيذي والعضو المنتدب، أن جمال مبارك، نجل الرئيس السابق يمتلك 18 في المائة من المجموعة المالية للاستثمار المباشر، إحدى الشركات التابعة لها، والتي تدير الاستثمارات المباشرة للشركة، وتمثل إيراداتها نحو 7 في المائة من إجمالي إيرادات المجموعة، حيث كشف محضر اجتماع مجلس إدارة شركة «سوديك» والذي أرسلته للبورصة، مساء أول من أمس، عن عضوية حسن هيكل في مجلس إدارة الشركة، وأن مجدي راسخ، رئيس مجلس إدارة الشركة، فوض هيكل الابن في الحضور بدلا منه.

إذن، فقد قال هيكل في الصفحة الأولى من «الأهرام»، يوم الثلاثاء 17 من مايو (أيار) إنه، بكل ثقة، يؤكد أن أحدا من أبنائه لم يكن صديقا أو شريكا لأحد من أسرة مبارك، وقالت «الأهرام»، على صفحتها الثالثة يوم الأربعاء 25 مايو، إن حسن محمد حسنين هيكل، كان شريكا لجمال محمد حسني مبارك في شركة واحدة!

الأهرام، إذن، وهذا هو التفسير الوحيد حتى الآن، قد قررت التضحية بهيكل أمام القراء، بعد أن ضحى هو بها، أمام الكسب غير المشروع، ليظل الدرس الأول، من الحكاية كلها، وهو أن الكذب لا يعيش!

وقد كنت على يقين بأن خبرا سوف تنشره «الأهرام»، في اليوم التالي، بما يؤكد أن حسن لم يشارك جمال، وهو ما حدث صباح الخميس، ليبقى السؤال: لماذا نشرت «الأهرام» الخبر؟!.. وليس: لماذا نفت «الأهرام» الخبر؟!