كثيرون يحبونك ويكرهونك أيضا!

TT

من أخطائنا الفكرية أن يصاب الإنسان بعمى الألوان.. أن يكون أعمى ألوان.. أو يجعل نفسه كذلك.. فلا يرى إلا لونا واحدا من كل شيء: الذي يعجبه أو الذي لا يعجبه.. مع أن الألوان كثيرة والدرجات اللونية أكثر.. وأسهل للإنسان أن يرى الدنيا أبيض وأسود.. وأصعب جدا أن يتدرب على استيعاب الطبقات والظلال والموجات اللونية.. وهي موجات.. وهذا هو التعيير العلمي الصحيح..

فليس صحيحا - مثلا - أن كل الناس أصدقاء.. ولا هو صحيح أنهم جميعا أعداء.. وليس كل من يضحك يسخر منك.. ولا كل من يبكي يرثي لحالك.. ولا كل من يضع يده في جيبه يخفي مسدسا.. أو يخفي وردة أو حسنة.. وإنما الأسباب كثيرة.. بتعدد الألوان.. والذي يقررها ويحسبها هو العقل.. أو هو التجربة أو هو التقدير المدرب.. التقدير العلمي.. ولا أحد يملك التقدير العلمي لكل شيء.. فلا يمكن أن تقاس المشاعر بالمسطرة.. فلا الحب بالترمومتر ولا الكراهية بالبارومتر ولا التعصب مما يمكن وزنه أو قياسه بالغرام والقيراط.. ولكن كل هذه المشاعر نحسبها بالتقريب.. فهي - إذن - نسبية.. تختلف من واحد لآخر..

وهذا هو الفرق بين العلوم المعملية وبين كل الفنون.. أو بين العالم والأديب..

ولذلك نختلف كثيرا على تقدير أشخاص الناس.. ونختلف أقل على تقدير أعمالهم الأدبية أو الفنية أو العلمية.. لأن هذه الأعمال العلمية يمكن النظر فيها وبحثها وتقديرها - فهي موضوع للبحث.. أو «مادة» للدراسة.. ولكن الشخص أو الشخصية العلمية أو الأدبية أو السياسية كيف يمكن احتواؤها وتصنيفها؟!

وسوف تبقى عبارة فولتير صحيحة اليوم وغدا: أعطني كتابا فإنني أفهمك.. اجلس معي فإننا نحتاج إلى من يفهمنا نحن الاثنين!!

والسياسة علم وفن..

فيها صفات العلم المحدود المتوازن القائم على المعادلات والبديهيات.. ولكنه مثل كل الفنون ليس مضبوطا محسوبا محسوما.. والفرق بين العلم والفن: أنك في العلم لا تقول أنا من رأيي أن 2+2=4.. لأنها تساوي ذلك سواء كنت موجودا أو لم تكن..

ولكن في الفن تقول: أنا لا تعجبني هذه اللوحة الفنية.. وتعجبني أنا هذه الأغنية.

ولا أجد سببا يدعوني لأن أناقشك لأنك تعتمد على «الذوق» والمزاج.. ولا مناقشة في الأذواق لأنها فردية شخصية!