الطبيب الضاحك

TT

سألني أحد الأصدقاء: كيف أنت يا أبو نايل تخرج من غرفة العمليات وصدرك مشقوق وقلبك مرقع وتبدأ فورا بممازحة الطبيب الجراح؟ قلت: ماذا تنصحني أن أفعل بدلا من ذلك؟ أسأله عن فاتورته؟ لا شيء يقهر الوجع غير ذكر الله والضحك على الإنسان. دخلت غرفة العمليات بذكر الله وخرجت بمفاكهة الطبيب. ومن الثابت علميا الآن أن الضحك يساعد في التغلب على كثير من العلل والأمراض، وفي مقدمتها ضغط الدم والسكري. وهناك في الهند توجد عيادة متخصصة في معالجة المرضى بالضحك.

وهذا العلاج لا يساعد المريض فقط، بل كذلك الطبيب نفسه، فهو لا يقل حاجة لعلاج بعد يوم كامل يقضيه بين قلوب مريضة وأكباد قريحة وصراخ وشكاوى من المرضى وأشلاء من الأموات والجرحى، لا سيما إذا كان يعمل في درعا أو طرابلس أو بغداد في هذه الأيام.

لهذا نجد أن كثيرا من الأطباء قد انضموا للكثير من الظرفاء في تقليعاتهم وفكاهاتهم ونكاتهم. اشتهر منهم كثيرون في دنيا السخرية والفكاهة كمحجوب ثابت في مصر وفائق شاكر في العراق. وللدكتور محجوب ثابت سجل طويل من المداعبات مع صاحبه الشاعر الكبير أحمد شوقي. وهو موضوع سأعرج إليه قريبا، إن شاء الله.

وذاعت في فرنسا شهرة الطبيب سوبيران، لا بمهارته الطبية وإنما ببلاغته الساخرة. فقد جمع بين مهنة الطب وهواية الأدب وتفرغ كليا في أواخر حياته للكتابة.. ذاعت عنه كلمات بليغة خالدة في سخريتها. قال: «لا تشعر المرأة بأي حرج في التعري أمام أي طبيب، إلا إذا كان هذا الطبيب زوجها».

الشكوى من طعام المستشفيات ظاهرة عالمية. سمعتها في بغداد كما سمعتها في لندن، بل وكنت أحد من نطق بها. وفي هذا قال الدكتور الفرنسي: «إن أصعب ما في مهنة الطب معرفة نوع الطعام الذي يشعر المريض بشهية كبيرة لأكله، لكي نبادر إلى منعه واستبعاده عنه».

نسمع الكثير من النصائح في هذه الأيام تندد بالمأكولات السريعة (الأكل على الماشي). كالساندويتشات والهمبورغر ولفة الكباب. والمعتقد أنها تسبب كثيرا من العلل وتؤذي المعدة والأمعاء. وليس في هذا من شيء جديد، فقد سمعه سوبيران في أيامه فقال ساخرا من زملائه في المهنة: «لو أن الأطباء يعترفون بالشكر والجميل، لتشاركوا للمساهمة في إقامة نصب تذكاري لمخترع الساندويتش».

يظهر أن الطبيب الفرنسي لم يكن عالما بأن مخترع الساندويتش هذا كان إنجليزيا هو اللورد ساندويتش الذي كان مدمنا للقمار إلى الحد الذي يمنعه من تناول عشائه على المائدة فعلَّم خادمته سوزانه تزويده بشيء خفيف يأكله وهو يواصل اللعب. فصنعت له قطعة الساندويتش: خبزة فيها شيء من الجبن أو اللحم. لكن عالمنا غير العادل لم يسمِّ الساندويتشة باسم سوزانه التي ابتكرتها وإنما سموها باسم اللورد الذي أكلها. مظلمة أخرى من مظالم الإنجليز. ولنا لقاء آخر مع هذا الطبيب الظريف.