متلازمة صدام؟

TT

المشهدان اليمني والسوري يطرحان علينا اليوم ملامح مرض من أهم أمراض السياسة العربية، التي أطلق عليه هنا اسم «متلازمة صدام»، أي صدام حسين. وهي متلازمة تتفاوت درجات المرض فيها، فمنها ما هو قابل للشفاء، ومنها ما يؤدي إلى تخلف شديد في إدارة الأزمات، فيصل تغلل المرض بالأنظمة وبالقيادات إلى الموت المذل كخروج القائد من حفرة، في حالة صدام، ودخوله إلى حبل المشنقة، أو يموت النظام أو الاثنان معا، وفي آخر درجات المرض بالمتلازمة يموت النظام والقيادة وتتحلل الدولة، وتلك بالتحديد «متلازمة صدام» كما رأيناها في الفترة من عام 1980 حتى نهاية النظام وتحلل الدولة في الفترة من 2003 إلى 2006 ويعاني العراق من تبعاتها حتى الآن.

و«متلازمة صدام» هي إما مرض وراثي في الدول، أو إنه مرض طارئ نتيجة لعدوى المجاوَرة أو عدوى اللغة أو عدوى الفضائيات، أو الثلاث مجتمعة. واليمن اليوم يعاني من أقصى درجات «متلازمة صدام» التي قد تؤدي إلى موت القيادة والنظام معا، ثم بعدها تتحلل الدولة في حرب قبائل طويلة على غرار «داحس والغبراء»، تستمر معنا إلى أعوام طويلة.

مهم للقادة العرب، وبالقادة لا أعني الرؤساء والملوك فقط، بل أعني أيضا قادة الرأي وقادة المنظمات الأهلية أو غير الحكومية ورؤساء التلفزيونات، أن يعرفوا متى تصيبهم أعراض «متلازمة صدام»؛ فهناك مؤشرات بسيطة توحي بالمرض في بداياته، لو تحسبوا لها لما تفاقم الوضع ووصل بصاحبه إلى الموت، وأول أعراض المتلازمة تخص الكتاب وقادة الرأي مثلنا ممن يتعرضون للشأن العام.

فإذا كانت صورك مثلا على الصحيفة أو المجلة التي تكتب فيها أخذت لك وأنت في سن الأربعين، بينما أنت الآن في الستين، وتصر على الصورة القديمة على أنها صورتك في الوقت الحاضر، فأنت تعاني من أول أعراض المتلازمة، ولكن لأن موتك لن يؤثر كثيرا في القوم بالدرجة التي تظنها أنت، فلا غرو أن تحتفظ بصورتك الشابة، إذا شئت، ولكن تأكد أن المرض سيفضي بك إلى الموت لا محالة.

أما على مستوى القادة السياسيين، فأعراض المتلازمة واضحة المعالم ولا تحتاج إلى مكابرة أو عناد. فمثلا تعرف أن الرئيس يعاني من مرض «متلازمة صدام» لو رأيته يرتدي البزة العسكرية وهي مدججة بالنياشين والرتب العسكرية وهو لم يدخل الجيش من أصله، هنا أنت أمام حالة واضحة من مرحلة متقدمة لـ«متلازمة صدام».

ففي حالة القذافي مثلا الذي أصبح عقيدا بقدرة قادر وفيلد مارشال بكل ما يرتديه من نياشين كما كان واضحا من زيه العسكري في آخر زيارة له إلى إيطاليا، بكل تأكيد أنت مع حالة متقدمة من حالات المتلازمة.. شيء أقرب إلى الحالات المتأخرة لمرض نقص المناعة، الإيدز.

أما الجنرال علي عبد الله صالح، فكما رأينا من خلال الأيام الفائتة، خصوصا بعد أن أمر الجيش بقتل المواطنين في ساحة الحرية، يبدو أنه يقترب من الحالة الكلاسيكية للمتلازمة التي أوصل صدام بها العراق إلى حالة الانهيار.

الوضع في اليمن جد خطير، ويعاني من مرض «المتلازمة الصدامية»، وخطورته لا تكمن في اليمن فقط؛ وإنما في أنه دولة مجاورة لأكبر دولة نفطية في العالم، كما أن في فشل اليمن كدولة، فشل للبحر الأحمر، وإغلاق للملاحة العالمية أو على الأقل تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة فاشلة تسودها القرصنة كما كنا نرى في الحالة الصومالية. وتلاقي دولتين فاشلتين؛ الصومال واليمن، على ضفاف البحر الأحمر، هو سيناريو الكابوس بعينه، كما يقول الكتاب.

الوضع في اليمن يأخذ انحرافا خطيرا بعد التعدي على المتظاهرين في ميدان الحرية وإجبار الشعب، خصوصا القبائل، على المواجهة مع النظام. من يعرف الشعب اليمني لا تفوته ملاحظة أنه شعب مدجج بالسلاح حتى أسنانه، كما يقولون في الغرب. ومع ذلك، ومنذ قيام ثورة الشعب، لم يطلق الشعب اليمني طلقة واحدة، بالطبع باستثناء المواجهات الأخيرة بين النظام وقبيلة حاشد.

فرغم العديد من محاولات نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح استفزاز الشعب في كل منحنى.. كل جادة، وكل زنقة، بلغة القذافي، فإن الشعب اليمني أثبت قدرة عجيبة على رباطة الجأش وتمسكه بسلمية ثورته. ولكن النظام اليمني على ما يبدو مصر على تخطي تلك العتبة التي لا يتسامح فيها المجتمع مع قادته، وتلك التي تخطاها زين العابدين بن علي من قبل وحسني مبارك من بعده.

ساعة تجاوز هذه العتبة التي هي في الغالب من الملامح الأخيرة لمرض «متلازمة صدام»، غالبا ما تنقلب الأوضاع، التي معها ينفلت العقال وينفرط عقد الدولة. إما أن يقول الرئيس لشعبه «فهمتكم» ويهرب على غرار بن علي، أو أن لا يقولها ويبقى قيد المحاكمات مثل مبارك الآن.

الرئيس علي عبد الله صالح، على ما يبدو، لم يفهم حتى الآن أنه يعاني من أعراض متقدمة لـ«متلازمة صدام». ويجب على من حوله أن يقولوا له حقيقة الموقف، فالمرض عضال والحالة متأخرة جدا، كما يقول الأطباء.

في حالة مبارك كتبت مقالا بعنوان «قولولو»، ولما لم يجرؤ أحد أن يقول له، أدخلنا النظام في نفق الفوضى؛ فهل هناك من يجرؤ على القول للرئيس صالح بشكل ملح الآن عن موضوع المتلازمة قبل أن ينفرط عقد اليمن وتفشل دولة عربية برمتها؛ دولة كل أهلها تقريبا مدججون بالسلاح؟