الخائفون من «الإخوان»

TT

الانتقال من المرحلة الانتقالية معضلة مصر وتونس حاليا.. والتأجيل أم التسريع هو السؤال المحير الذي يشغل كل أطراف معادلتي ما بعد الثورة في تونس ومصر فيما يتعلق باستحقاقات الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، ووضع دستور جديد للبلاد يعكس رغبة الناس في جمهوريتين ديمقراطيتين حقيقيتين.

القاسم المشترك في الجدل الصاخب الدائر هو الإخوان المسلمون في مصر، والنهضة الإسلامية في تونس التي تحمل تقريبا نفس التوجهات، والسؤال محير؛ فالفريقان لديهما حججهما القوية المؤيدة للتسريع في العملية الدستورية، وهدفهما الرئيسي هو بدء العجلة في الدوران، أيا كان الشكل الذي ستأخذه، والمطالبون بالتأجيل هدفهم تهيئة الظروف حتى يعكس الصندوق الانتخابي الرغبات الحقيقية للناس في المجتمع الذي يريدونه، وليس رغبة القوى الجاهزة لاختطاف اللحظة.

في الحالتين المصرية والتونسية هناك شبه حالة مراوحة وارتباك والكثير من الحديث الذي يأخذ شكل الصراخ والعراك أكثر من الحوار الحقيقي، وذلك بعد نشوة الأيام الأولى لانتصار الثورتين في أول أهدافهما بالإطاحة بالنظامين، وعلى الرغم مما يحدثه هذا من قلق، فإنها حالة طبيعية، فهي مثل عطشان كان كل أمله شربة ماء، وعندما نجح في انتزاعها، وجد أنه يحتاج زجاجة ماء كاملة، ولما تحقق ذلك بدأ يفكر، ووجد أن أحلامه أكبر من شربة ماء، وأنه يريد مستقبلا يضمن له عدم العودة إلى الوراء.

مشكلة المرحلة الانتقالية أنها بطبيعتها غير مستقرة، وتجعل الجميع في حالة ترقب لما هو قادم، وأكبر المتضررين من ذلك هو الاقتصاد والمستثمرون الذين يحتاجون وضوحا في الرؤية ومعرفة طبيعة النظام الذي سيحكم، حتى يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم، وقد يكون الأمن بين المتأثرين بالمرحلة الانتقالية، وهو هاجس يجري الحديث عنه كثيرا، خاصة في مصر، وإن كان البعض يرى فيه مبالغات وتخويفا، فلم نر أحياء تخرج لمهاجمة أحياء مثلا، وفي بعض الأحداث، مثل التوترات الطائفية، تخرج منها رائحة قوى تريد تخريب المشهد.

تقصير المرحلة الانتقالية المفترض أن يضع البلاد على بدايات قطف ثمرات الثورة وإرساء شرعية جديدة هناك حاجة ماسة لها داخليا لاستقرار الأوضاع ومعرفة الحجم الحقيقي للقوى السياسية، من خلال صناديق الاقتراع، وكذلك خارجيا، حتى يعرف العالم مع من يتعامل سياسيا واقتصاديا. لكن التقصير أيضا مشكلته، كما يطرح في مصر، أنه يمنح وضعا أفضل للقوى المنظمة أصلا، مثل الإخوان المسلمين، بينما لن تتمكن القوى الأخرى، التي كانت المفجرة الحقيقية للثورة، من تنظيم نفسها والاستعداد.

وهو كلام صحيح، لكن لا ينبغي الوقوع في هاجس الخوف المرضي من «الإخوان»، فهم أولا وأخيرا جزء من النسيج السياسي، وحتى إذا كان هناك تطويل للمرحلة الانتقالية فإنهم سيستفيدون منها مثل الآخرين، وعندهم ميزة العمل السياسي المنظم لسنوات طويلة تحت القمع، وطالما أنهم يمارسون السياسة، فإن منافسيهم السياسيين يتعين عليهم أن يمارسوا السياسة أيضا، سواء اتفاقا أو اختلافا.

ما تحتاجه القوى الأخرى هو تنظيم نفسها في أحزاب أو ائتلاف له برنامج سياسي عملي ومقنع وواضح للناس، وفوق كل ذلك إثبات الوجود من خلال ممارسة العمل السياسي اليومي، فهذا هو الذي سيحكم قرار الناخب في صندوق الانتخاب.

ونموذج على إثبات الوجود هو مظاهرة التحرير التي خرجت يوم الجمعة الماضي، وشارك فيها مئات الآلاف في غياب «الإخوان» الذين شنوا حملات التخويف والترهيب مما سيحدث، وعلى العكس من ذلك، رأينا انضباطا عاليا، وانصرف المتظاهرون بسلام، بعدما وجهوا رسالة واضحة بأن هناك قوى أخرى تستطيع الحشد يجب أن تؤخذ في الاعتبار.

أما مسألة الفترة الانتقالية، فهي تحتاج توافقا بين كل القوى السياسية؛ فالتأجيل له مخاطر كبيرة، تتمثل في السقوط في منتصف الطريق قبل الوصول إلى شيء، والتسريع أيضا له مخاطره في سيطرة قوة سياسية معينة مثل «الإخوان»، وقد يكون الحل في التزام أو اتفاق على مبادئ رئيسية عامة تحكم أي دستور أو نظام مقبل، مثل تداول السلطة، واحترام الحريات السياسية والدينية والاقتصادية والشخصية.