إعادة الأصول المسروقة.. أول خطوة نحو تأكيد الالتزام بالشفافية والإصلاح

TT

يناقش قادة مجموعة الثماني من الدول الغنية الأسبوع الحالي كيفية تقديم الدعم والتمويل الدولي للأنظمة الديمقراطية الناشئة في تونس ومصر. التوقيت عنصر مهم للغاية. لا تزال هناك معارك حقيقية من أجل الإصلاح في تونس ومصر اللتين تم خلع رئيسيهما؛ إذ إن الآثار التي خلّفاها ما زالت متغلغلة. على الحكومتين الانتقاليتين في هاتين الدولتين أن تبذلا كل الجهد لضمان أن تؤدي الثورتان إلى استقرار ديمقراطي ونمو اقتصادي في البلدين. كذلك على المجتمع الدولي ودول مجموعة الثماني المساهمة في ذلك. يجب أن لا ينسى من يتولون إدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية أن الغضب من الفساد المستشري والمتوطن في البلاد والظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات البطالة.. كل هذه أشعلت فتيل الثورة فيهما. لذا ينبغي أن تكون محاربة الفساد أساس العملية الإصلاحية للتأكيد على مبدأ المساءلة. ستكون إعادة الأصول المنهوبة خطوة كبيرة باتجاه التأكيد على الالتزام بالشفافية ومحاربة الفساد. ورغم المؤشرات الإيجابية الجيدة التي تمثلت في تجميد الأصول وبدء التحقيقات والقبض على المشتبه بهم، فإن هناك بعض التطورات المثيرة للقلق؛ ففي تونس تجنبت المحاكم الإشارة بشكل صريح إلى فساد أسرة الرئيس السابق، وتم الحكم على عماد طرابلسي بسنتين بتهمة حيازة مخدرات رغم تورطه في عدد من الصفقات المشبوهة، ولا يزال عدد من رموز النظام السابق يشغلون مناصب قيادية.

وفي مصر، أثار وقف التحقيقات مع سوزان مبارك، قرينة الرئيس المخلوع، بتهمة الكسب غير المشروع، والمماطلة في بدء محاكمة الرئيس السابق أسئلة بشأن الرغبة في التعامل مع فساد النظام السابق.

يجب أن يتم الإسراع في هذه التحقيقات وفي تحقيقات أخرى وينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة. فكل من ثبت تورطه في جريمة ينبغي أن ينال عقوبة واضحة لا لبس فيها. وينبغي للمجتمع الدولي الاضطلاع بدور مهم في استعادة الأصول المنهوبة. فبعد إعلان الدعم للربيع العربي، آن الأوان للدول التي أصبحت ملاذا آمنا لثروات الشعب التونسي والمصري المنهوبة أن تعيد هذه الثروات إلى أصحابها في أسرع وقت ممكن.

وقعت أكثر هذه الدول على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وهو مما يلزمها بإعادة الأصول التي يثبت أنه تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة. لكن الأصول المسروقة وإعادتها ليس سوى خطوة أولى في المعركة ضد الفساد. وقد بدأت منظمة الشفافية الدولية هذه المعركة منذ 18 عاما. ففي فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين قامت المنظمة بزيارة تونس ومصر لتقدم تجربتها من خلال ورش عمل ومنتديات. وقد رأينا اهتماما كبيرا من الناس في المجالات كافة بالانخراط في هذه المعركة. لكن واجهتنا قضية كيفية إرساء النزاهة في مجتمع تغلغل وتوطن فيه الفساد. في المنظمة نعلم جيدا أنه لا يوجد علاج سريع، خاصة عندما تكون الممارسات الفاسدة هي النمط السائد الذي كان يتبعه المسؤولون في الدولة. لكن هناك أربعة جوانب رئيسية لمواجهة هذه المشكلة. الجانب الأول هو بناء مؤسسة قانونية تنفيذية قوية شاملة ذات تعريف واضح لمنع كل أشكال الرشوة أو المحسوبية. الثاني هو تأسيس نظام محلي فعال للنزاهة تعمل من خلاله مؤسسات الدولة المختلفة سواء كان البرلمان أو المؤسسة القانونية أو الإعلامية أو لجان مكافحة الفساد أو منظمات المجتمع المدني، كنظام فعال من التدقيق والتوازنات.

من الواضح أن القوانين التي كان يتحكم في وضعها نظام الحكم الفاسد في مصر وتونس بحيث تحتوي على ثغرات، قد سمحت بإهدار المال العام وإساءة استغلال النفوذ. ويضمن ضعف نظام النزاهة في البلاد للجناة الذين لهم صلات بدوائر الحكم عدم التعرض لأي عقوبة في حال مخالفتهم لأي قانون.

الجانب الثالث في مواجهة الفساد هو منح المواطنين الفرصة للتعبير عن آرائهم. ويعني هذا منظمات مجتمع مدني قوية قادرة على ممارسة نشاطها على الساحة التي كانت في السابق مغلقة. يجب بناء الثقة على الجانبين، حيث ينبغي أن يرسي إطلاق حرية تداول المعلومات وحرية التعبير والاجتماع دعائم خطاب سياسي حقيقي. الجانب الرابع هو رفع الوعي بالفساد وتعريفه وتوضيح تأثيره السلبي على الجميع، وقبل كل ذلك معاقبة الذين يستغلون نفوذهم في تحقيق مصالح شخصية. ويمثل كل ذلك تعريف المنظمة للفساد. وتمثل المقاربة الشفافة والعادلة والشاملة في معالجة قضية الأصول المنهوبة الخطوة الأولى نحو محاربة الفساد في كل من مصر وتونس. يجب معاقبة المسؤولين عن نهب ثروات بلادهم أمام المحاكم الجنائية وإذا تم العفو عنهم، فيجب إعادة كل الأصول التي نهبوها.

التحقيق مع المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال المشتبه في استغلالهم لنفوذهم أو كسب أموال بطرق غير مشروعة، من الأمور المهمة. كذلك يجب اكتساب الخبرة الفنية لتتبع الثروات غير المشروعة في الداخل والخارج. ينبغي أن يتوفر المال اللازم لاكتساب هذه الخبرة من خلال الدعم المقدم من الدول الكبرى.

من أجل حماية الثورات، يجب على المجتمع الدولي دعم الصراع من أجل إرساء النظام الديمقراطي في تونس ومصر. لذا، من الضروري تطبيق العدل، والحرص على توضيح هذا بأسرع ما يمكن. لقد دقت الآن ساعة العمل.

*المدير التنفيذي لمنظمة «الشفافية الدولية» التي تعمل على مكافحة الفساد في أكثر من 100 دولة