الماء المبارك.. (وماء الشياطين)

TT

في مقال للأستاذ نجيب عصام يماني يفند فيه استغلال البعض لمياه (زمزم) ليضحكوا على المرضى المحتاجين للعلاج لبيعهم الوهم، ويقول:

«للأسف أنه في بعض مناطق المملكة (تقليعة) بيع زجاجات ماء زمزم (المخلوط بالرقية الشرعية) في محلات التسجيلات الإسلامية بسعر 30 ريالا للزجاجة عبوة نصف لتر، في الوقت الذي تباع فيه نفس العبوة من الماء العادي بسعر ريال واحد، ولا يستبعد - على سذاجة عقول القائمين على هذه التجارة الفاسدة المضللة - أن يتسع توزيع هذه (الخزعبلات) في السوبر ماركات والبقالات ويتهافت عليها أصحاب النفوس الضعيفة باعتقاداتهم الفاسدة في احتواء هذه الزجاجات على العلاج الشافي من الأمراض».

وبما أن الأستاذ نجيب مستشار قانوني وشرعي، فهو مطلع ومتمكن من المسائل الدينية، لهذا فهو يؤكد أن الرسول عليه الصلاة والسلام سحر ومرض فلم يتداو بماء زمزم لا مرقيا عليه ولا غير مرقي عليه، ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة ممن كانوا يعيشون في مكة، ولو وقع مثل ذلك لعلم قطعا وسجل في كتب الفقه والتراجم.

وهو يضع علامة استفهام عند الحديثين اللذين ذكر فيهما ماء زمزم، حيث جاء في الأول أن ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم.

والثاني أن ماء زمزم لما شرب له.

ودليله في ذلك أنهما من الأحاديث (المرسلة)، والحديث المرسل لا يحتج به في الأحكام الفقهية، ناهيك عن العقائدية، وذكر ابن حجر أن في رجال هذا الحديث سويد بن سعيد، وقد أخرج له مسلم، إلا أنه اختلط عقله وطعن فيه أهل الحديث، ويمضي قائلا:

«إن الرسول وصحابته لم يفعل أحد منهم شيئا من ذلك. ولقد مرض الصحابة وجاعوا ولم يلجأوا إلى زمزم للتداوي به أو للشبع، بل قد بقي الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبه قبل الهجرة محصورين في الشعب حتى أكلوا ورق الشجر من الجوع، مع وجود ماء زمزم عندهم».

وموضوعه هذا ذكرني بحادث قديم - رغم الفرق الأخلاقي الشاسع بينهما - ففي نهايات الحرب العالمية الثانية، كانت هناك باخرة مصرية اسمها (زمزم)، وضربتها الطائرات الألمانية وأغرقتها، وقدر لأحد البحارة أن ينجو، وبعد مدة هاجر إلى أميركا والتحق بالعمل في أحد (بارات) نيويورك، ومن حبه لباخرته (زمزم) التي كان يعمل فيها، ابتكر شراب (كوكتيل) أطلق عليه اسم زمزم، ونجح نجاحا منقطع النظير، وتهافت القوم على طلبه دائما، وأثرى ذلك المصري من ابتكاره المخزي ذاك.

وفي أحد الأيام وبينما كنت أسير مع رجل ذي أخلاق عالية في أحد شوارع نيويورك، وأردت أن أمازحه فسألته: هل تريد أن تشرب زمزم؟! قال: يا ليت، فأشرت له إلى أحد البارات قائلا له: اذهب إلى هناك واطلب منهم ما تشاء.

جفل من رؤيته للمكان، وعرف بالطبع أنني كنت أمزح مزاحا سمجا، لهذا اعتذرت له قائلا: للأسف أن هؤلاء القوم - قاتلهم الله - استغلوا اسم هذا الماء المبارك للترويج لماء الشياطين الذي يذهب بالعقول، والحمد لله على صحة عقولنا.