الصبر والعلم!

TT

أنت كإنسان متحضر من أين جئت؟ والسؤال ليس متأخرا.. فنحن نتساءل عادة في مواجهة الأزمات والكوارث الكبرى.. ويكون السؤال مثل مظلة واقية ننشرها حتى نهبط بسلام.. وقد اعتاد الإنسان أن يقف بثبات في وجه المصائب.. وأن يتساءل: إلى أين؟ أو على الأصح: أنا إلى أين؟! أي في مواجهة: أزمة عدم الثقة.. أو فجوة الأجيال.. أو أزمة الشباب والعنف.. أو التطرف الديني.

ولولا حاجة الإنسان إلى النجاة من الموت والمرض والكوارث ما تولدت الاختراعات. فالحاجة هي أم الاختراع، وهذا هو جوهر الحضارة الإنسانية.

ولما سئل الأديب الفرنسي فيكتور هيغو: كيف ولدت الحضارة؟ أجاب: من دموع المسيح ومن ابتسامة فولتير، أي من المثل الأعلى للإيمان والرحمة، ومن العلم والفلسفة والسخرية، من أن تمشي طول الطريق وراء أي مسيح!

ولما سئل الفيلسوف الأميركي فرانكلين عن معنى الحضارة، قال: أن تتوافر للإنسان كل أدوات العمل والحياة، وأن يتوافر له الوقت لكي يستريح من كل ذلك. وأستاذنا العقاد قال: أن تشعر الأقلية بالأمان في حضن الأغلبية، أيا كانت الأقلية، وأيا كانت الأغلبية. ففي مواجهة الأزمات يكون رد الفعل غريزيا.. فالإنسان يخشى أن يموت فجأة وأن تتلاشى دنياه.. ولذلك فعندما يتساءل عن مستقبل حياته، يكون التساؤل دليلا على التفاؤل. لأن معناه أن هناك وقتا للحياة وللتخلص من هذه الأزمة، ففي «ألف ليلة وليلة»، عندما طار النسر وبين رجليه أحد التجار، فزع التاجر.. ولكنه وجد ما يسعده حين قال: الحمد لله أنني لم أملأ بطني طعاما وإلا لسقطت من بين مخالبه محطما!

مع أنه لو سقط جائعا فسوف يتحطم - تكفي جاذبية الأرض!

وابن بطوطة في رحلاته يروي أنه عندما كان في بحر الصين هبت عليهم عاصفة عنيفة أطاحت بركاب السفينة. وراح كل واحد ينذر لله إن وصل إلى البر سالما أن يصلي ويصوم ويتوب.

يقول ابن بطوطة: لو كان هذا حال كل الناس؛ إذا هاج البحر أو هبت العواصف، ما خرج الإنسان من بلاده، ولما اكتشفنا مجاهل الدنيا، ولما عرفنا عادات الناس.

إن الثبات ضد البحر والموج والمرض والجوع والظلم والظلام هو جوهر الحضارة! كأنما أراد أن يقول: إن هذه هي تحديات الإنسان التي صنعت حضاراته! وقد عرفت الحضارة الإنسانية كل أنواع التحديات: الحروب والأوبئة والجوع والبطالة، ووجدت طريقا للخلاص منها لتقع فيها من جديد.. ولتقيم فوقها الجسور وتحتها الأنفاق وتتجاوزها بالطائرات.. وإلى ما لا نهاية.

فكيف نبدأ شيئا جديدا في مواجهة القديم الذي لا يعجبنا؟!