أين الفنان السوري؟

TT

وين الملايين؟

الشعب العربي وين؟

الشرف العربي وين؟

في صدري مخزن رشاشة

ونقول إخوتي وين؟

جاه النوم ونام الباشا ونحنا مشردين

هذه بعض كلمات أغنية حماسية شارك في تأليفها وغنائها مجموعة مشتركة من الفنانين العرب من سوريا وليبيا وتونس ولبنان، كان المشهد أشبه بالسيريالي؛ حيث إن التصوير المرافق للأغنية أظهر شبابا عربيا أعزل يدافع عن نفسه بالحجارة أمام خصوم مسلحين. للوهلة الأولى التبس عليَّ الأمر؛ ظننت أن هذا المشهد المثير للألم هو استكمال للمشاهد التي نراها يوميا في درعا أو حلب، لكن ظهور العلم الإسرائيلي قطع شكي باليقين. ما كنت أراه في فيديو الأغنية هي اشتباكات عربية - إسرائيلية بين شباب أعزل، وجنود الجيش الإسرائيلي.

ليس لأحد أن يلومني على عدم التمييز بين الحدثين؛ لأن المشاهد كأنها مستنسخة من بعضها: جنود مسلحون يطلقون الرصاص ويمارسون الضرب والإذلال على جمهور من العزل، وأطفال الحجارة يمارسون السلوك نفسه الذي اعتدناه من الفلسطينيين، يرمون حجارتهم تجاه الجنود ثم يركضون متراجعين أو يلوذون بالفرار بين الأزقة. عمليا، لا فرق بين الحالتين، شباب وأطفال بلا سلاح، وعسكر قساة، والحجارة هي الحجارة، الفرق الوحيد الذي لا يمكن تبيانه بسهولة هو جنسية الأطراف المتخاصمين.

كما كانوا يسوقون لأنفسهم دائما، الفنانون هم أصحاب رسالة، وهذه الرسالة يفترض ألا تكتب مرة بالحبر الأزرق ومرة بالحبر السري، حتى لا تفقد صدقها وثقة الناس بها. حينما رشح الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن نفسه للفترة الرئاسية الثانية هددت بعض الشخصيات الفنية الوجيهة في هوليوود بالانتقال للعيش في أوروبا أو أستراليا في حال فوز بوش بالرئاسة، على الرغم من أن الممثل أو الممثلة في أميركا، خاصة المشاهير منهم، يعيشون في مستوى مادي واجتماعي لا يتوافر للصف الأول من رجال السياسة.. دعوا عنكم طبقة المجتمع الوسطى الأكثر تأثرا بسياسات الرئيس، وبالتالي المساس بمصلحة الفنانين أمر غير وارد مهما كانت هوية ساكن البيت الأبيض.

ولا مقارنة بين الوضع في أميركا والوضع في سوريا من حيث مستوى التعبير عن الحرية، لكن من المحبط أن نكتشف أن من صنفوا أنفسهم تحت خانة الفن العربي القومي كانوا طوال تاريخهم المهني يمارسون الخداع العربي وليس الفن العربي، وأنه حينما جاء وقت اختبار هذه المبادئ والقيم العليا ظهر معدنها الصدئ، واتضح أن القصة حقا كانت تمثيلا في تمثيل، وأن ما يقال في مواقع التصوير يختلف عما يقال في الشارع. وليتهم اختبأوا كما يختبئ الرعديد، لكن بعضهم يجاهر بموقفه المعلن ضد أهله الذين فتحوا صدورهم واستلقوا في طريق المدرعات طلبا للعدالة الاجتماعية.

لا أظن أن الفنانين السوريين يصدقون ما يصرحون به حول وجود مؤامرة خارجية ضد بلدهم، أو أن ما يحصل هو بفعل إرهابيين، أو أن الإعلام يبالغ في عرضه للحدث.. فهذه أمور لم تعد في انتظار أحد أن يكذبها أو يؤكدها.

اليوم أعيد ترديد كلمات الأغنية نفسها وأتساءل: «الفنان السوري وين» مما يحصل؟ أين حديث الكرامة الذي نسمعه في كل عمل فني أو أغنية وطنية؟ مسلسل «باب الحارة»، الشهير، متخم بعبارات النخوة والإقدام، حتى إن كاتب النص قفز فوق اختلاف الديانات، فأصبحت نصرة الإنسان السوري فوق كل اعتبار.. فهل انتهاك الكرامة السورية حرام على «الفرنساوية» حلال على ذوي القربى؟

سيسجل التاريخ أن أكثر ما عاب النظام السوري خلال هذه الأحداث أنه مارس سلوكا ضد سكان قلعة العروبة لم نعرفه إلا من خلال العدو الصهيوني على الجهة الأخرى من الجولان، وأن أكثر ما عاب الفن السوري أنه أصبح فنا ضد أهله، ضد صراخ الأهالي من نساء ورجال وأطفال اختاروا أن يحملوا على عاتقهم حمل الرسالة التي تخلى عنها الفنانون.

* كاتبة وأكاديمية سعودية

- جامعة الملك سعود

[email protected]