حمزة الخطيب يحرج النظام

TT

معادلة التغطية الإعلامية الحاصلة اليوم في سوريا من وجهة نظر النظام قائمة على منطق ملخصه أنه على الإعلام العالمي أن يقبل بمنعه من الدخول إلى مناطق الاحتجاجات، وأن يمتنع عن تصديق روايات شهود العيان، وكل تلك الأشرطة والصور التي تظهر عبر «يوتيوب» وأن يقبل بما يقوله الإعلام الرسمي السوري..

بحسب هذا المنطق، كيف يمكن مقاربة مأساة الطفل الضحية حمزة الخطيب..

لقد تبنى الإعلام والرأي العام قضية حمزة الخطيب وعرض صوره معذبا وميتا، متجاوزا الكثير من الحدود المهنية لكشف مدى الفظاعات التي مورست بحق هذا الطفل. هنا، على أي إعلام مشكك في الأمر أن يعيد النظر، وأن يفكر مليا في قدرته على نفي ودحض صور على هذا النحو من القوة..

مرة جديدة، عرّض الإعلام السوري الرسمي نفسه لامتحان مضاد في قضية الطفل حمزة الخطيب، ولم يصب هذا الإعلام سوى مزيد من الانتكاسات في صورة النظام وتثبيت مدى التراجع الأخلاقي في محاولته مواجهة الحراك الشعبي السوري..

فما الذي طرحه علينا النظام السوري عبر إعلامه..

هو يريدنا أن نصدق أن الفتى السوري حمزة الخطيب قتل على يد عناصر مندسة، وأنه بقي شهرا في قبضة الأمن السوري لأسباب (إدارية!) وأن والديه وحال تسلمهما جثته بعد أسابيع من الانتظار المجنون عمدا إلى تسليم الجثة إلى من عاث فيها تشويها وتنكيلا، وبعد ذلك اتهما الأمن السوري بارتكاب هذه الفعلة..

مطلوب منا أن نصدق أغلظ الأيمان التي أطلقها الطبيب الشرعي السوري الذي أكد أن الطفل حين عاينه في مركز الأمن كان قد سقط بطلق ناري ولم يكن قد تعرض للتعذيب. علينا أن نصدق الطبيب الشرعي المعين من النظام المتهم نفسه، وأن ننسى تقارير مزورة سبق أن أصدرها طبيب شرعي مصري حين قتل خالد سعيد تحت التعذيب في مركز الأمن.

علينا أن نصدق الرواية السورية، متناسين عدم قدرة أي إعلام على امتلاك رواية مستقلة أو على مقابلة ذوي الضحايا، خصوصا من الأطفال وأخذ شهاداتهم..

من يطرح علينا هذا المنطق هو ببساطة يدرك أنه لا يحاكي عقولنا، بل هو ربما غير مكترث بإقناعنا، فما يجري اليوم في سوريا من ترويع ليس مصادفة. استخدام العنف بهذا الحجم هو قرار استراتيجي قائم على أن ممارسة القوة بشكل مفرط ستردع وتضمن استمرار السلطة، سواء أكانوا أطفالا أم نساء أم متخلفين عقليا، ليس مهما..

لكن تلك ممارسات لن يكون بإمكان أي إعلام مهما تذاكى وحاول التلاعب بأنمق الكلام أن يسوقها عبر خلط الكذب بالحقيقة..

النظام السوري نفسه اعترف مرارا بفشل إعلامي في هذه المرحلة، وهذا فشل قائم على عجز مطلق في ترويج أخبار معتمدة على روايات ركيكة..

لذلك فإن شعارات الإصلاح التي يواجه بها المحتجون في سوريا لا تبشر بأي خير، خصوصا إذا كانت بوادره من نوع مأساة الطفل حمزة الخطيب وكيفية التعامل الإعلامي الرسمي السوري معها.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام