الطبيب الذي يفهم الطبيب

TT

من أول مقومات السخرية أن تبدأ بالسخرية من نفسك. وقد فعل الطبيب الفرنسي الظريف أندريه سوبيران ذلك تماما في سخريته من مهنة الطبيب. وله أقوال ظريفة خلدت في دنيا الفكاهة مثلما خلدت في عالم الطب. ومن ذلك قوله:

«إليكم بسر من أسرار مهنة الطب. إذا كان الأطباء يعطون المريض مادة المورفين، فلأنهم غالبا ما يفعلون ذلك لكي يتاح لهم - أي الأطباء أنفسهم - أن يناموا هم».

ولم يسلم حتى الأطباء النفسانيون من لسان، أو قلم، هذا الطبيب الساخر. فقال: «الطبيب النفساني هو الرجل الذي يذهب إلى ملهى الفوليه برجير وينظر إلى المتفرجين». الحقيقة أن هذا هو ما فعلته عندما اصطحبني بعض الأصدقاء لهذا الكباريه المشهور في باريس بالراقصات نصف العاريات. بدلا من التفرج عليهن رحت أتفرج على المتفرجين وآثارهن عليهم.

كثيرا ما سخر سوبيران من زملائه في مهنته بتقديم بعض النصائح لهم. قال مثلا: «هناك قاعدتان على كل طبيب أن يفهمهما ويحرص عليهما جيدا. الأولى أن يكتب الوصفة (الروشيتة) بخط غير مقروء. النصيحة الثانية أن يكتب الفاتورة بخط مقروء تماما».

كانت قراءة روشيتات الأطباء مشكلة عالمية على ما يظهر. كنا جميعا نشكو منها، ولكن والحمد لله ظهر الكومبيوتر الآن وأخذ يتولى مهمة كتابة الوصفات وطبعها بشكل يستطيع أي طفل أن يقرأها. ولكن الأمر لم يكن كذلك في أيام الدكتور سوبيران (أوائل القرن العشرين). كان على الطبيب أن يكتب الوصفة بالقلم والحبر. إذا كان موسرا يكتبها بقلم باندان، وإذا كان فقيرا يكتبها بريشة يغمسها في دواة حبر. يعود أندريه سوبيران فيعلق على ذلك:

كل الأطباء يكتبون بخط رديء لا يمكن قراءته. هذا أمر معروف عنهم... بيد أن أحد زملائي في الدائرة السادسة عشرة في باريس يحطم كل الأرقام القياسية في رداءة الخط.

«ففي يوم من الأيام، كتب وصفة لأحد المرضى فلم يفهم منها أي شيء. ولكن هذا المريض أخذ يبرزها في محطات السكك الحديدية فيسمحون له بركوب القطار مجانا. وهكذا استفاد من التنقل في فرنسا مجانا لمدة شهرين بدون دفع أي أجرة. وقد استخدمها كذلك للدخول إلى متنزه الأمراء وإلى صالة كولون للحفلات الموسيقية. وأروع من ذلك كله أنه قدمها إلى رئيسه في العمل فاعتبرها توصية لزيادة راتبه. فلم يتردد في الاستجابة لها ورفع درجته. وأخيرا سلم نفس تلك الوصفة لابنته فوضعتها أمامها على البيانو وراحت تعزف بما ضمن لها الحصول على الجائزة الأولى لمسابقة الكونسرفتوار الوطني السنوية».

ويمضي الدكتور أندريه سوبيران فيقول إن شخصا وصلته من أهله في الريف رسالة ملخبطة لم يستطع قراءتها فحملها إلى الصيدلي في المنطقة، نظر فيها نظرة سريعة وقال للرجل، تعال بعد نصف ساعة وتسلم دواءك!