مصالحة فتح وحماس طيرت خطابا تاريخيا لأوباما

TT

سيستمر الفلسطينيون في البكاء على الأطلال، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. صار تضييع الفرص ماركة مسجلة فلسطينيا. قبل سنة من انتخاب باراك أوباما، قال له زبيغنيو بريجنسكي، وكان قد قام بحملة لأوباما في ولاية ميتشيغان، حيث الكثافة البولونية: «يجب أن تبدأ بإيجاد حل للقضية الفلسطينية خلال أول سنتين من ولايتك، لأنه في السنة الثالثة تبدأ حملة الرئاسة الأميركية».

عندما فاز أوباما عين جورج ميتشل موفدا شخصيا له إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية. كانت لديه ثقة بالنفس، فجهازه السياسي والأمني متجانس وقوي، وكان مؤلفا من جيم جونز، مسؤول الأمن القومي، وروبرت غيتس، وزير الدفاع، وهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، وكان هناك جو بايدن، نائب الرئيس، وكان هؤلاء صانعي القرار في واشنطن.

انطلقوا من أن النزاع العربي - الإسرائيلي له تأثير سلبي على الأمن القومي الأميركي وعلى الاقتصاد. طرحوا نظرية تجميد المستوطنات مقابل أن تقدم الدول العربية مبادرات حسن نية.

في تلك الأثناء انتخب بنيامين نتنياهو، وكان خوف إسرائيل من أن تستأنف المفاوضات ويقدم الطرف الأميركي مقترحات، فإذا رفض نتنياهو صارت إسرائيل معزولة. ضغطت أميركا فوافق نتنياهو على تجميد المستوطنات عشرة أشهر.

أثناء تجميد بناء المستوطنات رفض الفلسطينيون العودة إلى المفاوضات، رغم محاولات جون كيري، وكان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية، الذي كان يقول إن محمود عباس يرتكب خطأ بعدم العودة إلى المفاوضات. جاء أبو مازن إلى واشنطن في سبتمبر (أيلول) الماضي، وكانت فترة التجميد ستنتهي في 26 منه. عندها قال نتنياهو انتهى التجميد، فأصر أبو مازن على تمديده وطرح موضوع القدس.

حصلت أربعة اجتماعات بين أبو مازن ونتنياهو بمشاركة كلينتون وميتشل، فيها تشدد أبو مازن وكذلك نتنياهو. وابتداء من شهر أكتوبر (تشرين الأول) صار ميتشل مقتنعا بأن هناك مأزقا، وبالتالي على أوباما أن يطرح رؤيته.

لكن، قبل هذه الفترة وفي مايو (أيار) من العام الماضي، كان أبو مازن في واشنطن واجتمع مع بايدن الذي شعر بأن أبو مازن ضعيف، فأبلغ بذلك أوباما، محذرا إياه من حرق رأسماله السياسي على رجل ضعيف.

بعد ذلك استقال جيم جونز الذي كان يقول إن الحلف الأطلسي وأميركا على استعداد لإرسال قوات إلى غور الأردن إذا ما رفضت إسرائيل الانسحاب من هناك، فحل مكانه توم دونيلون - كان بايدن اقترحه على أوباما كي يكون نائبا لجونز، وهو محام من جماعات الضغط، مرتبط بأيباك، وأخوه مع الحزب الديمقراطي.

بعدما عين، صار دونيلون مثل بايدن يعتبر أبو مازن ضعيفا، واقترح على أوباما عدم التشجيع على المفاوضات ومواجهة إسرائيل، وأنه من الأفضل أن يركز على الانسحاب من العراق وبدء الانسحاب من أفغانستان.

خلال شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين جرى نقاش عميق داخل الإدارة وبرزت مدرستان. الأولى (ميتشل وغيتس وكلينتون) تدعو أوباما إلى إلقاء خطاب يوضح فيه رؤيته، أي مفاوضات مبنية على حدود 1967 وانسحاب كامل من الأراضي الفلسطينية وموضوع القدس على أن يلقيه في الرابع من مايو. المدرسة الثانية عارضت لأسباب داخلية وتولى المعارضة بايدن (المدين تاريخيا في الانتخابات لأيباك) ودونيلون ودينيس روس، وانطلقوا بأن أبو مازن متردد.

لكن أوباما وافق على إلقاء الخطاب الذي عاد وألقاه ناقصا في 19 مايو الماضي، إنما الجديد الذي بقي فيه العودة إلى حدود 1967، وانسحاب إسرائيلي كامل من غور الأردن. لم يأت على ذكر القدس الشرقية، أو أن الأحياء العربية تكون تابعة للسلطة، كما لم يشر إلى استئناف المفاوضات.

ماذا حصل قبل عشرة أيام من الرابع من مايو؟ جاء اتفاق حماس وفتح (يقال إن لسوريا دورا في ذلك). ماذا لو انتظروا إلى ما بعد 4 مايو؟

بعد «المصالحة»، جاءت استقالة ميتشل (كان سيستقيل في يناير، لكن الإدارة طلبت منه البقاء). وتعني استقالة ميتشل أن لا شيء سيحدث على ضفة المفاوضات.

الضياع الذي يتخبط به أبو مازن، بدأ بوقوعه في فخ بعض الإسرائيليين الذين أقنعوه بأن الكلمة الفصل في واشنطن هي لدينيس روس، صاحب اقتراح دولة فلسطينية بحدود مؤقتة. وفي شهر سبتمبر الماضي في واشنطن عاتب أبو مازن روس قائلا: «كيف تأتي إلى إسرائيل ولا تزورني؟».

وجاءت مهزلة أبو مازن الكبرى، أنه أرسل، بعد اتفاق فتح وحماس، عن طريق رجال أعمال فلسطينيين رسالة إلى روس يطمئنه فيها، بأن سلام فياض سيبقى رئيسا للحكومة، وأن وزراء الحكومة الجديدة سيكونون من التكنوقراط، لا من فتح ولا من حماس، وأخيرا «سأحاول أن أؤخر الانتخابات حتى تكون الظروف صارت مناسبة أكثر».

ويبتسم المصدر الأميركي وهو يقول: هذه الرسالة جاءت من الفلسطينيين إلى خصمهم الأول، ونسوا ألف باء البروتوكول، فدبلوماسيا هيلاري هي المسؤولة.

بعد مصالحة فتح وحماس ألغى أوباما خطاب 4 مايو وعاد إلى محور بايدن والآخرين، بترك الموضوع الفلسطيني «جانبا حتى موعد الانتخابات». ميتشل من ناحيته، رفض «الجلوس جانبا وفضل الاستقالة» لأن هذا الموضوع لا يمكن إزاحته جانبا، فالأوضاع غير مضمونة.

الأمر الآخر الذي جعل أوباما يتراجع عن «مضمون الخطاب التاريخي كان الأوضاع في سوريا».

رأى روس ودونيلون أنه من «الأفضل أن ننتظر ونرى ما سيحدث في سوريا، خصوصا أن فلسطينيي الضفة الغربية لن يتحركوا». دينيس روس ارتاح، فهو لا يريد دورا للأميركيين. يقول: «دعوا الطرفين يتفاوضان» في حين أن اقتراح غيتس وكلينتون وميتشل كان أن تجري المفاوضات بوجود الطرف الأميركي. على أن يعطي الفلسطيني والإسرائيلي كل وجهة نظره، وأن يقدم الأميركي اقتراحاته ليقرب بين وجهتي النظر، على أساس أن أي خلاف بين أميركا وإسرائيل في المفاوضات سيضعف نتنياهو.

يروي لي المصدر الأميركي عن سفير أميركي لدى الأمم المتحدة (جاء بعد أندرو يونغ)، أنه قال: «بعد اتفاق كامب ديفيد الأول بذلت إسرائيل جهدا قياسيا كي لا يفوز جيمي كارتر بالرئاسة للمرة الثانية، فهي كانت متأكدة من أنه بعد سيناء سيتحول إلى (تحرير) الضفة الغربية». ويضيف: «إن لقاء نتنياهو والجمهوريين الأخير هو محاولة لعرقلة وصول أوباما للمرة الثانية، أو لمنعه من التفكير بالضفة الغربية».

خلال الفترة الماضية، كانت السعودية مصرة على أن تقدم أميركا تصورا واضحا للحل الفلسطيني، على أن يلي ذلك مؤتمر دولي. حاليا، قد يخسر أوباما الرئاسة إذا ما ارتفع سعر النفط، هذه هي التوقعات رغم أن الجمهوريين قد ينتظرون حتى شهر مارس (آذار) المقبل ليختاروا مرشحهم.

من المؤكد الآن، أن لا مفاوضات قريبا، فتح وحماس لا يمكنهما عمل أي شيء، ثم إنهما لا يثقان ببعضهما. الوضع السوري أضعف الفلسطينيين، وإسرائيل تريد أن ترى ما سيجري في سوريا. إسرائيل قلقة على الأردن، فالمشكلات فيه تهدد أمنها.

السلطة تريد القفز لتحط في حضن الجمعية العمومية في شهر سبتمبر مع العلم بأن هناك حاليا 120 دولة تعترف بها. صحيح أن إسرائيل ثبتت الاعتراف بها عن طريق الأمم المتحدة، لكن كانت قوية على الأرض التي احتلتها. هناك دعوات «مليونية» للاتجاه برا وبحرا، وربما جوا في الخامس من يونيو (حزيران) ذكرى الهزيمة إلى فلسطين. كأنهم يريدون «إقامة الدولة» قبل الوصول إلى الأمم المتحدة. لكن هذا يحتاج إلى حدود مفتوحة من مصر والأردن وسوريا ولبنان، والعالم العربي مشغول بمشكلاته الداخلية.

من السهل شتم أوباما والقول إنه تراجع في خطاب «أيباك» عن خطابه حول حدود 1967، إلا أن فلسطينيي فتح أحبوا الانتصار على الإدارة الأميركية ورفضوا المفاوضات، بينما فلسطينيو حماس نفسهم طويل ويراهنون حتى الآن على «الإخوان المسلمين»، وعلى الوعود الإيرانية، وأن «النصر لا بد آت». الشعارات لم تعد طنانة!