الانفصال السلمي بالسودان في خطر

TT

بات السودان، الذي يعتبر حتى الآن أضخم دولة في أفريقيا، على شفا حرب أهلية. وكان المفترض أن تسهم اتفاقية السلام التي أبرمت في عام 2005، بدعم من الولايات المتحدة، في حل المشكلات التي أدت إلى قتال دام 22 عاما بين العرب في الشمال والانفصاليين في الجنوب، ولكن ذلك لم يحدث.

في استفتاء أجري في يناير (كانون الثاني) صوت السودانيون في الجنوب بأغلبية كاسحة على الاستقلال. ولكن احتلال الشمال لمنطقة حدود مدينة أبيي المتنازع عليها، الشهر الماضي، يمكن أن يؤجج جذوة الخلاف بين الشمال والجنوب، ما لم تلق القوى الأجنبية، وعلى وجه الخصوص الصين، بثقلها من أجل وقف النزاع.

وقد عجز المجتمع الدولي - خاصة الأمم المتحدة والولايات المتحدة - بشكل واضح عن إلزام الحكومة السودانية باحترام اتفاقياتها. كما فشلت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مدينة أبيي السودانية في حماية المدنيين من الهجمات وإبقاء الطرفين بعيدا عن بعضهما. وبعد 2005، ركزت إدارة بوش (الابن) في الأغلب على منطقة دارفور الغربية وأهملت الجنوب. أما إدارة أوباما، فأعادت تركيز الانتباه على النزاع بين الشمال والجنوب، غير أنها كرست كامل طاقتها للاستفتاء على استقلال الجنوب، على حساب أبيي.

ويستخدم الأراضي الرعوية الخصبة في أبيي كل من قبيلة دينكا نقوك، السكان الدائمين في المنطقة، وقبيلة عرب المسيرية، المهاجرين الموسميين من الشمال.

لقد كان المفترض أن يؤدي الاستفتاء الذي أجري بالتزامن مع استقلال جنوب السودان إلى التوصل لحل لقضية أبيي. غير أن رئيس السودان عمر البشير قد عرقل التوصل إلى حل للقضية: أولا برفضه قبول الحدود التي اقترحتها مفوضية حدود أبيي، التي كنت عضوا في مجلسها، ثانيا، بعرقلة تنفيذ حكم أصدرته محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، وأخيرا، بمنع الاستفتاء على تبعية أبيي، إما للشمال أو للجنوب.

ويعتقد البشير أن التخلي عن أبيي للجنوب سيكون سابقة خطيرة ربما تنتقل إلى مناطق توتر أخرى، من بينها دارفور، التي تسعى بالفعل لمزيد من الاستقلال الذاتي عن الخرطوم. وقد شجع مسؤولون أميركيون بشكل غير مقصود نظام البشير على اتخاذ موقف متعنت بدعم مقترحات التسوية المتتالية بدلا من الإصرار على التزام الخرطوم باتفاقية السلام وقرار المحكمة. ولثقته أنه لن يواجه معارضة موحدة، فقد قام الشمال الآن بآخر هجوم عنيف له.

ويأتي احتلال أبيي في أعقاب تعزيز الوجود العسكري في الخرطوم في مناطق أخرى عبر الحدود، فضلا عن تصعيد القتال مؤخرا في دارفور. وثمة خطر حقيقي ممثل في أن الشمال سيحتل ببساطة كل المناطق الحدودية المتنازع عليها – وربما حقول النفط داخل جنوب السودان – وسيرفضون المغادرة ما لم يتم أمرهم بذلك. وعلى المدى القصير، سيؤدي هذا إلى توحيد الرأي العام في الشمال لدعم البشير، في الوقت الذي يوجه فيه الكثيرون هناك انتقادات عنيفة له بسبب فقده السيطرة على الجنوب. غير أنه على المدى الطويل، من المنتظر أن يؤدي هذا إلى سيطرة حالة من عدم الاستقرار والعنف في الأجزاء الأخرى من السودان.

ولمنع أزمة أبيي من إثارة نزاعات أخرى، يتعين على المجتمع الدولي أن يكف عن التظاهر بأن كلا الجانبين مذنب. فسياسة الجزرة لم تجدِ نفعا. وستحتاج واشنطن إلى استخدام سياسة العصا باتخاذ إجراءات صارمة مثل إلغاء محادثات تخفيف أعباء الدين أو تعليق تطبيع العلاقات الدبلوماسية، ما لم يسحب السودان قواته بشكل سريع. ولكن، في نهاية المطاف، ليس لواشنطن سوى تأثير محدود على الحكومة السودانية، منذ أن قللت روابطها الدبلوماسية والاقتصادية معها أثناء الحرب الأهلية.

سيكون اللاعب الرئيسي هو الصين. فبكين لها نفوذ اقتصادي وسياسي قوي في الخرطوم؛ وفي الوقت نفسه، تحاول تكوين علاقات جيدة مع القيادة الجنوبية في جوبا. إن احتلال أبيي يهدد عمليات النفط الصينية على الحدود وداخل جنوب السودان. وقد حثت وزارة الخارجية الصينية مؤخرا الطرفين «على الالتزام باتفاقية السلام وكبح جماح أنفسهم» بالالتزام بنصوص اتفاقية السلام.

وربما يدخل هذا السلوك في إطار دبلوماسية التهدئة، لكنه يمثل كسرا حادا للصمت الصيني المعتاد فيما يتعلق بالوضع الداخلي للنظام السوداني وخروجا عن الدعم الذي منحته للسودان في 2008 بعد أن أدانت المحكمة الجنائية الدولية البشير بتهم الإبادة الجماعية. ويمثل هذا فرصة نادرة للولايات المتحدة والصين للعمل معها من أجل الحث على التوصل إلى حل لقضية أبيي قبل أن يعلن الجنوب استقلاله رسميا في 9 يوليو (تموز).

أولا، يجب أن تصر واشنطن وبكين على سحب الخرطوم قواتها وإعادة الإدارة المدنية لأبيي. ثانيا، يتعين عليهما التشديد على أنه لن يكون هناك المزيد من التنازلات عن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بالفعل. ويجب أن تغادر القوات المسلحة السودانية كلها أبيي والأراضي المحيطة بها، وأن تحل محلها قوات دولية على درجة أقوى من الالتزام بحماية المدنيين.

ولا يزال الاستبيان الوسيلة المثلى للتأكيد على إرادة سكان أبيي الدائمين، لكن التصويت العادل يعتبر أمرا مستحيلا اليوم، نظرا لجهود البشير من أجل الإخلال بالتوازن الديموغرافي في المنطقة بطرد قبائل دينكا نقوك واستبدالهم بسكان الشمال. وبإمكان المجتمع الدولي، بل ويجب عليه، أن يشرف على عملية تصويت مستقبلية، ولكن فقط بعد ضمان عودة سكان أبيي الأصليين وممارستهم الحرية والعادلة لحقوقهم الديمقراطية.

* مؤلف كتاب «جذور الحروب الأهلية في السودان»

* خدمة «نيويورك تايمز»