ليت هندا أنجزتنا ما تعد

TT

من حق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يغتبط بتمكنه، وللمرة الثانية، من إحباطه العلني، وغير الدبلوماسي، لمسعى الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير إعادة تحريك المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية الغارقة (مثل أرييل شارون) في غيبوبة سريرية.

من الإجحاف التنكر لحسن نيات الرئيس أوباما حيال قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، رغم أنها نيات لا تزال في إطار التمنيات الشخصية لا القرار السياسي الرسمي في واشنطن. وبالفعل سوف يسجل التاريخ لأوباما أنه كان الرئيس الأميركي الوحيد الذي اقترح على إسرائيل أن تكون حدود عام 1967 «أساس» حدود حل الدولتين (مع تبادل للأراضي متفق عليه من الجانبين)، بينما كانت اقتراحات الرئيسين السابقين، جورج بوش وبيل كلينتون، توصي بأن «تراعي» حدود الدولتين، حدود ما قبل الخامس من يونيو (حزيران) 1967.

ولكن السؤال الأساس يبقى: ما الذي يدفع أوباما إلى طرح مقترحات يدرك في قرارة نفسه أنه غير قادر على «إقناع» نتنياهو بها، وفي أسوأ الحالات غير مستعد لفرضها على حليفه الأوثق في الشرق الأوسط؟

رفض نتنياهو الفوري لهذه المقترحات كان متوقعا من الجميع، ومن الإدارة الأميركية تحديدا، في أعقاب إصرار وسيطها في الشرق الأوسط، جورج ميتشل، على الاستقالة من مهمته بعد فشل محاولاته الدؤوبة لإقناع نتنياهو، بالحسنى، بالعودة إلى طاولة المفاوضات..

وما كان أيضا متوقعا، رغم التزام أوباما «الصلب» بأمن إسرائيل، هو عودته إلى أسلوبه السابق في «تليين» أبعاد اقتراحه، إلى حد التراجع عنه أمام الحملة المضادة التي شنها نتنياهو عليه في عقر داره متمترسا في خندق «ايباك»، لوبي إسرائيل المدلل في الكونغرس الأميركي.

ألا يزال الهم القائم للرئيس الأميركي تحريك المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتعثرة أم «إرضاء» العرب والمسلمين بالتذكير بخطاب القاهرة الشهير، قبل سنتين... والذي بقي، بدوره، مجرد عرض للنيات الحسنة؟

مسارعة نتنياهو إلى رفض اقتراح أوباما اعتماد حدود عام 1967 منطلقا لرسم حدود الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية تثبت أن «التنازلات المؤلمة» التي وعد ببذلها في سبيل السلام لا تتعدى تجشمه عناء السفر، دوريا، إلى واشنطن لـ«منازلة» الرئيس الأميركي، إعلاميا وسياسيا... وتسجيل النقاط عليه.

ولأن «المنازلة» الأخيرة ليست الأولى في تاريخ العلاقات الشخصية بين أوباما ونتنياهو، ولأنها تحدث في مرحلة يشهد فيها العالم العربي تحولات سياسية واجتماعية تحظى، علنا على الأقل، بمباركة الولايات المتحدة، يبرر التساؤل عن سبب توقيت أوباما لاقتراحه عشية توجه الفلسطينيين إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة لاستصدار اعتراف دولي بدولتهم، وهو اعتراف يبدو في تقييم الكثير من المراقبين السياسيين، شبه مضمون.

ربما توخى الرئيس الأميركي من احتمال قبول نتنياهو العودة إلى طاولة التفاوض مع الفلسطينيين أن يرجئ الفلسطينيون طرح موضوع الاعتراف بدولتهم على الأسرة الدولية بانتظار نتائج المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين. ومن شأن هذا الإرجاء أن يجنب إدارته الإحراج الناجم عن رفضها المتوقع لانبثاق شرعية الدولة الفلسطينية عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

مؤسف أن تصبح التسوية الشرق أوسطية قضية أميركية داخلية يقررها نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونغرس وتفرضها إسرائيل على الرئيس الأميركي، عبر ديمقراطيي وجمهوريي الكونغرس وحسابات الرئاسة الانتخابية... فلا تبقي لأوباما سوى تشنيف آذان العرب والمسلمين بترداد نياته الحسنة حيالهم.

حالة العرب الراهنة مع أوباما تصح في وصفها مقولة الشاعر العربي عمرو بن أبي ربيعة:

ليت هندا أنجزتنا ما تعد

وشفت أنفسنا مما تجد

واستبدّت مرة واحدة

إنما العاجز من لا يستبد