الناتو والربيع العربي

TT

بروكسل - تذكرني التطورات الراديكالية عبر شمال أفريقيا والشرق الأوسط بسقوط سور برلين ونهاية الحرب الباردة. من تونس إلى القاهرة إلى بنغازي، تغلب الناس على خوفهم من الحرية. اتخذت بعض حكومات المنطقة خطوات مهمة نحو تلبية المطالب المشروعة لمواطنيها، وأدركت أخرى أن وقتها قد انتهى وانتحت جانبا، لكن الفزع تملكني عندما رأيت أنه في بعض الدول، خاصة ليبيا، قوبلت الدعوات للحرية والكرامة بعنف من قبل الدولة.

وجاء رد فعل حلف الناتو تجاه الأزمة في ليبيا سريعا وحاسما. في مارس (آذار) الماضي، وطبقا للسلطة التي خولها قرار تاريخي عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، سيطر التحالف على قيادة جميع العمليات العسكرية الرامية لحماية الشعب الليبي من الهجمات الوحشية للعقيد معمر القذافي. وبالتعاون مع شركائنا، بمن فيهم شركاؤنا بالمنطقة، نجحنا في إحراز تقدم كبير في تقليص قدرة القذافي على مهاجمة المدنيين ومحاصرة المدن.

وقد تساءل البعض لماذا تحرك الناتو في ليبيا وليس ضد دول أخرى. وإجابتي عن ذلك واضحة: لقد اتخذنا تحركا ضد ليبيا بناء على تمتعنا بتفويض قوي من مجلس الأمن ودعم واضح من دول المنطقة؛ وهو مزيج نادر لم نشهده في مواقف أخرى.

منذ ثلاثة أشهر، لم يكن أحد ليتخيل أن الناتو سينفذ عملية في شمال أفريقيا، لكن حلفاء الناتو تفهموا منذ أمد بعيد أن أمننا مرتبط على نحو وثيق بأمن جيراننا في الجنوب. لذا، من المنطقي تماما أن نفكر في كيفية المساعدة على جعل شمال أفريقيا والشرق الأوسط منطقة حرة وديمقراطية ومستقرة.

أولا: سنمضي في جهودنا لإنجاز تفويض الأمم المتحدة بحماية الشعب الليبي. وسنستمر في عملياتنا حتى تتوقف كل التهديدات والعمليات ضد المدنيين، وحتى يسحب النظام الليبي فعليا كل قواته وجنوده المرتزقة إلى داخل قواعدهم، وحتى يصبح بإمكان جميع الليبيين المحتاجين للمساعدة الحصول على المساعدات الإنسانية على نحو آمن وكامل من دون أي عائق.

إلا أنه لا يوجد حل عسكري خالص لهذا الصراع، وإنما الحل الوحيد الدائم سيكون حلا سياسيا يستجيب للتطلعات المشروعة للشعب الليبي. وسيبقي أنصار وشركاء الناتو على الضغوط بغية تمهيد الطريق أمام التوصل لحل. ومثلما أوضحت «مجموعة الاتصال» وقمة مجموعة الثماني الأخيرة، فإن المسألة ليست إذا ما كان القذافي سيرحل، وإنما متى.

ثانيا: أعلن الرئيس (الأميركي باراك) أوباما بالفعل سياسية بعيدة المدى لدعم الإصلاح الديمقراطي والتنمية الاقتصادية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وبإمكان الاتحاد الأوروبي أيضا الاضطلاع بدور مهم على هذا الصعيد. وكذلك بإمكان الناتو تقديم إسهامات فريدة بهذا المجال. يذكر أن كثيرا من الحلفاء مروا بحقب إصلاحية مجهدة في أعقاب ثوراتهم منذ 20 عاما، وبالتالي يتمتعون بخبرة كبيرة يمكنهم التشارك فيها مع آخرين. وستشكل المؤسسات الدفاعية والأمنية الحديثة الخاضعة بشكل كامل للمساءلة من جانب سلطات منتخبة ديمقراطيا، أولوية إصلاحية حيوية أمام ليبيا وكثير من الدول الأخرى بالمنطقة.

أخيرا: أظهر الربيع العربي أهمية تكثيف حوارنا السياسي. يذكر أن للناتو بالفعل إطاري عمل للشراكة يجمعان 28 حليفا مع كثير من دول المنطقة، وهما: «الحوار المتوسطي» مع الجزائر ومصر وإسرائيل والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس، و«مبادرة إسطنبول للتعاون» مع البحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة. ويشكل هذان الإطاران أساسا مثاليا لتناول القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك وصياغة استجابات مشتركة وبناء ثقة دائما بين دولنا. إننا منفتحون وعلى استعداد لضم دول أخرى. وسنرحب بليبيا ديمقراطية، إذا رغبت في ذلك، كشريك جديد مرحب به للغاية.

وكتحالف للديمقراطيات، نعتقد أن القيم الجوهرية هي الأساس الحقيقي للاستقرار. لذا، فإنني على قناعة بأن الاستقرار والأمن والرخاء الدائمين عبر شمال أفريقيا والشرق الأوسط سيتحققون فقط عندما تتمتع جميع شعوب المنطقة بالقيم الجوهرية التي نبجلها جميعا: الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

* الأمين العام لحلف الناتو

خدمة «نيويورك تايمز»