الربيع

TT

يقول الروس: إن مائة أرنب لا تصنع حصانا. وسقوط بضعة أنظمة لا يصنع ربيعا عربيا. فالربيع له علامات كثيرة، أولاها: أن يهتم أهله بزرع الحقول وتقليم البساتين وإعادة الاعتبار للزهور، وحتى الآن لا نزال في شتاء الماضي. غيوم ورياح وصرير أبواب لا تفتح. ولا تزال الثورة العربية تطرح على العرب المسائل اليومية لا المصيرية. ولا تزال توغل في الماضي كي تستعير منه أو ترفض من دون أن تفتح نافذة ضيقة على المستقبل.

وكما قال الزميل مشاري الذايدي، فهذا ليس حنينا إلى الأنظمة التي سقطت أو تلك التي تنازع في دماء مصراتة وصنعاء، بل هو سؤال شرعي، ليس سابقا لأوانه ولا متعجلا، ما الربيع العربي الموعود؟ ما قُواه؟ ما مدى التزامها بالحرية؟ إلى أي نسبة مئوية سوف تلتزم بالقانون؟ هل سوف تتعهد بإلغاء العنف والتعذيب وإهانة الكرامات ومعاملة الناس - لأي سبب من الأسباب - مثل الجراثيم والجرذان والصراصير؟ ما نظرة أهل الربيع إلى الرخاء والكفاية وطبابة البشر وانعدام الضمان الاجتماعي والطبي والحياتي والبدائي؟

هل جاء الربيع من أجل تغيير حكومة وبضعة وزراء، أم من أجل إقامة حالة اجتماعية متقدمة في البشر والأمم؟ هل أن إلغاء التفرد والاحتكار والتعالي والتأله، في خوض معركة الرئاسة، يعني أن يخوض تلك المعركة كل من يخطر في باله أن يتسلى ويسلي معارفه وأصحابه وأبناء الحتة؟

هل كانت الثورة فقط من أجل إسقاط حسني مبارك وزين العابدين بن علي، أو الشروع في عزل القذافي وعلي عبد الله صالح؟ هل الربيع من أجل عزل الرجال أم من أجل إلغاء النظم والعادات والثقافات العنفية والإلغائية التي تبلدت عليها المجتمعات العربية ودانت لها وتواطأت معها؟

ثمة ثقافة مفجعة وأليمة يجب أن تلغى. وثمة ذل يجب أن نتعود على الحياة من دونه. وثمة إرث من العبودية الاستعمارية والوطنية يجب أن نعرف أن بلاد الآخرين تحررت منه. لكن على الأقل حقق هذا الربيع على نقصانه شيئا مهما. إنه مثل التحذير الذي يرفع على الطرق من المطبات والهاويات والمفترقات الخطرة. لن يسمح أحد لنفسه بعد اليوم أن يسبح في الفساد والعنف والتسلط وتحول الجيوش إلى كتائب يقودها الأبناء. وسوف يفكر القادمون ألف مرة قبل أن يحولوا البلدان إلى مزرعة لا يفكر في أمرها إلا على أساس رفع الأسلاك وزيادة الحراسة.