ستقود المرأة.. لكن متى؟

TT

لم ينشغل الشارع السعودي بقضية عامة كما هي قيادة المرأة للسيارة. أكثر من عشرين عاما والسعوديون منقسمون: تقود أو لا تقود. المؤيدون يستغربون أن تكون السعودية الوحيدة في العالم التي لا تسمح للنساء بالقيادة، ومن غير المنطقي، وفقا لآرائهم، أن تكون بلادهم وحدها على صواب وباقي العالم على خطأ. في حين أن المعارضين، وغالبيتهم من المحافظين، يقرون بأنه ليس هناك فتوى شرعية تحرم قيادة المرأة لذاتها، بل إن رفضهم منصب على ما يسمونه «المفاسد» التي تترتب على القيادة.

إذا كانت هناك قضية ساخنة لكل موسم، فإن قضية قيادة المرأة هي قضية كل المواسم في السعودية. وعندما فعلتها فتاة سعودية، مؤخرا، وقادت سيارتها في أحد شوارع مدينة الخبر، عاد الجدل ليشتعل من جديد. تناحر يصل إلى حد الإقصاء. ردود متشنجة تحمل من الاتهامات ما يقال وما لا يقال. ولعل حملة «اضربوهن بالعقال»، أو الدعوة لجلد السيدة التي قادت السيارة، أحد إفرازات هذا الخلاف المتطرف الذي، للأسف، لم يقفز فجأة على المشهد السعودي، بل أصبح هو المتسيد للساحة.

القصة لم تنته عند هذا الحد، فمسؤولون حكوميون بارزون يدخلون على الخط لإيضاح الموقف الرسمي. صفحات تنشأ على «فيس بوك» مع أو ضد، والآلاف يتهافتون لترجيح كفة على الأخرى، حسابات على «تويتر» تفرغت لإطلاق الحملات المؤيدة، والتشكيك في الخصوم. تعليقات تنبض بالكراهية والعنصرية. وكالعادة قلة هي من تحترم مواقف خصومها، أما الغالبية فلا تجد منهم إلا تسفيها للرأي الآخر، يتبعه تخوين، ثم تصوير أنفسهم، وحدهم، بأنهم حماة هذا الوطن، آه أيها الوطن، فـ«كل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا»!

هذه الأزمة في انحدار مستوى النقاش، كما هي قضايا كثيرة أخرى، أثبتت أن الخيارات ليست متعددة أمام من يريد أن يفكر بصوت عال، فحذار من الميل إلى جانب العلمانيين الذين يريدون أن يعم الفساد في هذه البلاد، أما إذا كنت مقتنعا بالعكس، فستوصم بالتخلف لأنك تسعى للحجر على المجتمع. وهكذا يختطف رأي الأغلبية لصالح الأعلى صوتا، والأكثر حضورا، بل وحتى الأقوى تهديدا، وتغدو مقولات مستهلكة، مثل أدفع عمري ثمنا لأدافع عن رأيك، ما هي إلا أحاديث آخر الليل تتلاشى مع بزوغ الفجر، وتتحول هذه المقولات فجأة إلى: اصمت.. فرأيي هو الصواب ورأي غيري كله خطأ، ومن أتى بأفضل من رأيي، رفضناه!

شخصيا أرى أن السؤال ليس هل ستقود المرأة أو لا تقود؟ بل متى ستقود المرأة السعودية؟ فهي إن لم تقد هذا العام ستفعلها العام المقبل، أو الذي بعده، وهذا ليس ضربا في الودع، بقدر ما هو حقيقة يلمسها كثيرون، بأن مثل هذه الخطوة قادمة لا محالة ما دام الخلاف، في أساسه، اجتماعيا وليس دينيا، ونحو ثمانية ملايين امرأة سعودية، أي نصف الشعب السعودي، لا يمكن أن يمنعن من اتخاذ قرارهن بأنفسهن، أما من لا تريد ذلك فلا يمكن لأحد أن ينازعها قرارها.

الجدل الدائر والصاخب حول قيادة المرأة، مؤشر فعلي على أن هناك معركة شرسة مع الرافضين للقبول بالاختلاف كضرورة حضارية. ربما هؤلاء بحاجة لكثير من الأدب وقليل من العلم!

[email protected]