عنصر الفساد

TT

ربما سمع الجميع بشأن حمزة الخطيب، هو صبي سوري يبلغ 13 عاما سار في مظاهرة مناهضة للحكومة داخل مدينة صيدا في 29 أبريل (نيسان). وفي ذلك اليوم، ألقي القبض عليه، ثم أعادت الشرطة جثته المشوهة مبتورة الأعضاء لأسرته بعد شهر. أثناء احتجازه، من الواضح أنه تعرض للحرق والضرب والتعذيب والصعق بالكهرباء. وكان فكه وركبتاه محطمة. وتعرض لإطلاق النار عليه في ذراعيه. وعندما شاهد والده حال جثته، أغمي عليه.

وأقدمت الأسرة بشجاعة على نشر فيديو يكشف التعذيب الذي تعرض له طفلها على شبكة الإنترنت، وشكل استشهاد حمزة نقطة حشد لخصوم النظام البعثي الذي يتزعمه الرئيس بشار الأسد. إلا أنه بطبيعة الحال لم تظهر هذه الحادثة من العدم. في الواقع، تمثلت أبرز أعمال الوحشية التي ارتكبها النظام السوري في مذبحة حماه عام 1982 عندما سفك الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد دماء أكثر من 10000 سوري. من ناحيتها، صنفت الولايات المتحدة سوريا كدولة راعية للإرهاب على امتداد 30 عاما متتالية. ووصف تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية أساليب التعذيب المعتادة للنظام السوري، ومنها اقتلاع الأظافر وحرق أعضاء حساسة من الجسد وشد العمود الفقري وربط جسد الضحية وطيه حول إطار عجلة مع جلده بالسياط وما إلى غير ذلك.

على امتداد الأسابيع القليلة الماضية، قتل نظام بشار الأسد أكثر من 1000 متظاهر وسجن أكثر من 10000 آخرين، طبقا لما أعلنته منظمات سورية معنية بحقوق الإنسان. ووصفت «هيومان رايتس ووتش» ما يجري في درعا بأنه جرائم ضد الإنسانية، حيث تعرض الصبية لبتر أعضائهم والرجال للقتل.

ورغم أن جميع الحكومات ترتكب خطايا، فإن الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط تفوق خطاياها في فداحتها معظم الأنظمة الأخرى. ويعد النظام السوري تحديدا واحدا من أكثر أنظمة العالم فسادا. ورغم ذلك، طلب من إسرائيل طول السنوات الماضية الدخول في مفاوضات معه والثقة في أن مثل هذا النظام سيحتل مرتفعات الجولان المطلة عليها بسلام من دون أن يعتدي عليها.

على امتداد 30 عاما، أسست عملية السلام على أساس خواء أخلاقي، وعدم الاستعداد لمواجهة الطبيعة الحقيقية لحكومات معينة. وقد حاول زعماء العالم إطلاق حلو الحديث عن سوريا، واصفين بشار الأسد بأنه صديق «نانسي بيلوسي» أو إصلاحي «هيلاري كلينتون». عام 2008، دعا نيكولا ساركوزي الأسد لأن يكون ضيف شرف فرنسا في احتفالات اليوم الوطني لفرنسا ـ ليكون بذلك أول سجان عديم الشفقة يحتفل بيوم تحطيم سجن الباستيل.

على مدار 30 عاما، تدفق دبلوماسيون وتكنوقراط على دمشق أملا في دفع سوريا للتحول إلى قوة متحضرة موالية للغرب. ومن المثير أن نطلع على الأفكار التي راودتهم آنذاك. ربما سكروا بثقتهم بقدراتهم التبشيرية على نحو خلق داخلهم اعتقادا بأنهم قادرون على تحويل نظام فاسد إلى آخر طبيعي. وربما تأثر بعضهم بالفكر المادي بدرجة بالغة جعلته يظن أن الطبيعة الجوهرية لنظام يمكن تغييرها عبر مزيج سحري من الحوافز والمثبطات. وربما عانى بعضهم ببساطة من حالة من العمى الأخلاقي. وربما كانوا تكنوقراطا متحذلقين منغمسين في المفاهيم القانونية المرتبطة بعملية السلام بدرجة جعلتهم عاجزين عن تفهم الطبيعة الأخلاقية للنظام الذي يتعاملون معه، أو تفهم تداعيات هذه الطبيعة.

على أي حال، كانت جهودهم محكوما عليها بالفشل. في الواقع، تواجه عملية السلام الراهنة فشلا محتوما بسبب العجز عن إقرار تمييز واضح، فهناك بعض الدول بالمنطقة ليست لطيفة، لكنها طبيعية ـ مصر والأردن والسعودية. لكن هناك حكومات أخرى فاسدة في جوهرها، بسبب سياساتها الإجرامية (سوريا) أو آيديولوجيتها (حماس)، وبالتالي ترفض إنسانية جميع البشر الآخرين. ويرون أنه من الملائم والصواب قتل الأبرياء. لذا، فإن مثل هذا النمط من الحكومات لا يمكن أن يشكل جزءا من أي مفاوضات ناجحة لأنه يقوض القيم العالمية للأخلاق.

من غير المهم معرفة مدى عظمة بروفسور قانون أو دبلوماسي، ولا يهم مسار المفاوضات أو الخطوط السحرية التي ترسم على خريطة ما، ذلك أن الحقيقة تبقى أنه لن يتحقق السلام طالما أن أنظمة فاسدة تشكل جزءا من الصورة. لذا، فإنه من الجنون التورط في حالة الاهتياج العصبي الدائرة الآن حول من قال ماذا حول حدود عام 1967. طالما بقي نظام الأسد و«حماس» في الصورة، لن تحرز عملية السلام نجاحا، مثلما كان الحال لسنوات كثيرة مضت.

وعليه، من الضروري خاصة في هذه اللحظة التاريخية التركيز على طبيعة الأنظمة، وليس فقط الحدود الفاصلة بينها. من أجل بناء شرق أوسط سلمي، كان من الضروري التخلص من نظام صدام حسين الفاسد في العراق. وسيكون من الضروري محاولة التخلص من نظام القذافي الفاسد في ليبيا. ومن الضروري سقوط نظام الأسد، وهو ما يعرف به الجميع علانية ما عدا إدارة أوباما. وسيكون من الضروري أيضا تهميش «حماس». وقد كان من الضروري التخلي عن استراتيجية التعاون التي أسس عليها باراك أوباما حملته الانتخابية، واتباع بدلا منها استراتيجية حذرة لتغيير النظام، وهو ما يتبعه بالفعل حاليا. إن عملية الإصلاح العربي هي ذاتها عملية السلام.

* خدمة «نيويورك تايمز»