صراع الموقع!

TT

قبل أي شيء، نتمنى السلامة لليمن، والشفاء للرئيس علي عبد الله صالح. كلاهما في حالة بالغة الحرج، صحيا ومعنويا. ولكن، مع القليل من التمهل والتأمل، يبدو أن هذا هو حال الأمة برمتها، ما بين حزين ومحزون، وما بين قلق وبين شديد القلق والخوف، مما وصل إليه الصراع بين الأنظمة وشعوبها.

نحن، في لبنان، لا يمكن إلا أن تكون تمنياتنا أكثر صدقا ومخاوفنا أكثر هلعا. فقد شهدنا طوال عقدين، ما تفعله الحروب الأهلية بالنفوس والأرواح والأجساد. وعرفنا بعد انتهائها الرسمي، أن البلاد التي تمر عليها الحرب لا تبقى كما هي.

لذلك كانت الناس تتمنى على الرئيس علي عبد الله صالح أن يتنحى، ليس لأنه على خطأ، بل لأن بلاده على حافة الحرب. وفي مثل هذه الحال، تكون المحافظة على الوحدة والشرعية والديمقراطية والدستور، بالتضحية، وليس بالتمسك بالحقوق. حق الأشخاص قابل للتفسير والاجتهاد. حق الأوطان لا جدل فيه. حق الأوطان هو تفادي الكارثة.

عودتنا أحداث هذا العام ألا نرى مفاجأة في أي شيء. لكن في شهور الاضطراب هذه رأينا الحلف الأطلسي يقصف قلاع باب العزيزية، مستهدفا حياة صاحبها، ثم رأينا معارضي الرئيس اليمني يقصفونه، مع أركان حكمه، وهم يؤدون الصلاة. لقد أصبحت الدماء لون أيام الجُمع، خارج المساجد وداخلها. مرة الضحايا من الناس، ومرة من النظام. لكن منذ اشتعال تونس إلى اليوم، هذه أول مرة يصاب رأس البلد، كأنما اليمن يريد أن يقول لنا: ألم أحذركم؟! ألم نردد كل يوم، دون انقطاع، أن اليمن مستودع أسلحة؟!

بَلدان هُددا بالقبلية. في ليبيا أخفق النظام الجماهيري في تحريك المشاعر، وفي اليمن انفجرت حرب القبيلة الواحدة بدل حرب القبائل. لكن الدماء ليست أقل غزارة في سوريا، حيث يفترض أن الحزب ألغى القبيلة. عندما أهرقت الدماء في أوروبا على مدى القارة، كانت الأنساب القبلية قد ذابت قبل ألف عام. ما يجري في العالم العربي، ليس صراعا على مواقع القبائل، بل هو صراع على موقع المواطن من دولته، وموقعها من حياته وكرامته.