منزل في سانت هيلينا للقذافي

TT

في محاولة لوضع حد للمأزق في ليبيا وتجنب المزيد من إراقة الدماء، طلب الرئيس الأميركي أوباما من الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الشهر الماضي إخبار الديكتاتور الليبي معمر القذافي بأنه سيظل على قيد الحياة إذا ما غادر ليبيا. وذكر ميدفيديف في مؤتمر صحافي أن روسيا لن تخدعه.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد القذافي وابنه سيف الإسلام - وهي المحكمة التي من المفترض أن يمثلا أمامها – ولكن بأي ثمن؟

إن أوباما يرغب في تجنب تكرار معركة امتدت لأربعة أشهر من أجل طرد رئيس ساحل العاج القوي لوران غباغبو. وقد راح ضحية هذه المعركة آلاف المدنيين، وتم إجبار 800.000 مواطن على الأقل على مغادرة منازلهم وأصبحت العاصمة المالية للدولة وأكبر مدنها، أبيدجان، في حالة من الدمار.

ولم يكن بمقدور الأمين العام للأمم المتحدة أو الجيش الفرنسي إخراج غباغبو من مخبئه. وفي مواجهة احتمال السجن مدى الحياة، شعر بأنه لم يملك أي خيار سوى القتال حتى آخر نفس. ولو كانوا قد استطاعوا أن يطرحوا على غباغبو مخرجا من هذا المأزق، لانتهت المواجهة منذ عدة أشهر مضت. وكان المخرج سيتمثل في النفي مدى الحياة.

هل من الممكن أن يرسل المجتمع الدولي أي ديكتاتور مثل غباغبو أو القذافي إلى أي مكان ويضمن أنهم لن يعودوا أدراجهم مطلقا؟ المطلوب هو مكان ناء ويخضع لحراسة جيدة، بحيث لا تكون أمام مثل هذه الشخصيات البغيضة أية فرصة مطلقا للهرب.

في 1815، واجهت أوروبا مشكلة مماثلة. كان نابليون بونابرت مسؤولا عن 17 عاما من الحروب المدمرة بمختلف أنحاء أوروبا والتي أودت بحياة نحو 6 ملايين شخص. وقد هرب من منفاه في جزيرة إلبا، في البحر الأبيض المتوسط، وكان قادرا على تشكيل جيش مؤلف من 200.000 جندي قبل هزيمته الأخيرة في معركة ووترلو.

ولضمان عدم رجوعه مجددا على الإطلاق، نفت بريطانيا نابليون إلى جزيرة سانت هيلينا، الواقعة في وسط جنوب الأطلنطي. وتعتبر واحدة من أبعد الجزر النائية على سطح الأرض، فهي تبعد بأكثر من ألف ميل عن أقرب يابسة.

وتظل جزيرة سانت هيلينا منعزلة جدا بشكل لا يصدق، مع عدم وجود مطار تجاري (مع أنه يتم التخطيط لإقامة مطار) وسكان تعدادهم 4000 نسمة فقط، وهو العدد الذي هبط بنسبة 20 في المائة في العقد الماضي. ومساحة منطقة بلوهيل، الواقعة على الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة، 14 ميلا مربعا ويقطنها 153 شخصا فقط، وتبدو أشبه ببقعة مثالية لما يمكن أن يطلق عليه رحلة تقاعد للحكام المستبدين المنفيين.

وبإمكان بريطانيا، التي ما زالت تملك جزيرة سانت هيلينا، أن تؤجر جزءا من الأرض إلى الولايات المتحدة، التي سيكون حراسها أصحاب الخوذات الزرقاء مسؤولين عن الأمن. وبإمكان الأمم المتحدة أن تنشئ كوخا آمنا، أو ربما خيمة كبيرة، يفصلها عن بقية أجزاء الجزيرة سياج عال من الأسلاك الشائكة. وربما يتلقى القذافي هناك رسائل بريد (والتي سيقرؤها الحراس، كما في حالة معظم السجون)، ولكن لن تكون هناك خدمة إنترنت أو خدمة هاتفية.

وباستطاعة القذافي أن يحضر أفراد أسرته على الفور، زوجته وأبناءه. لقد وصل نابليون إلى سانت هيلينا مع مجموعة صغيرة من أنصاره الذين أجبروا على التوقيع على مستند يلزمهم بالبقاء على الجزيرة معه لفترة غير محددة. (واختارت زوجة نابليون البقاء في فرنسا، حيث ربطتها علاقة عاطفية بنمساوي كان حارسا شخصيا لها، وهي العلاقة التي ذيعت أخبارها على نطاق واسع، مما أثار الحزن الشديد في نفس نابليون).

وبالطبع لا يجب أن يحظى حكام مستبدون مثل القذافي بمرور حر. فيجب أن يتم النفي إلى سانت هيلينا فقط لوضع حد لأشد أشكال الحصار. إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتمتع بسلطة منع المحكمة الجنائية الدولية من إقامة دعوى قضائية. وستتحقق العدالة بصورة أفضل إذا ما انتهى الحال بالقذافي وأسرته إلى لاهاي. غير أن المجتمع الدولي ملتزم بدرجة أكبر بحماية حياة المدنيين الأبرياء والقضاء على المعاناة والدمار اللذين لا طائل منهما. ويمكن أن تعمل سانت هيلينا وفقا لقواعد فندق كاليفورنيا، بمعنى أنه يكون بإمكانك أن تسجل وصولك، ولكن لا يمكنك مطلقا أن تسجل مغادرتك. سيكون مقدرا للقذافي أن يموت هناك في هدوء، بعد تركه السلطة. ومما لا شك فيه أن هذه الجزيرة ستكون مكانا رائعا لكتابة مذكرات، وسيؤدي أتباع القذافي نهج نابليون إلى إضفاء طابع خاص على حياته بالجزيرة.

وسيتمثل مطلب آخر في تجريد الحكام المستبدين وأفراد أسرهم من أملاكهم المالية. فيجب أن تتم مصادرة كل حساب بالخارج وكل عقار في لندن أو دبي، مع إعادة الأموال مجددا إلى خزانة الدولة. ستكون جزيرة سانت هيلينا مكانا شاملا، بحيث لن تكون هناك حاجة إلى حمل الأموال.

ربما يصبح القذافي الديكتاتور الوحيد الذي ينتهي به الحال إلى جزيرة سانت هيلينا. وعلى الرغم من ذلك، فإنه مع العدد الهائل من المرشحين الذين تنطبق عليهم المواصفات وكثيرين آخرين ممن يحتمل ظهورهم، يحتمل أن تتلقى سانت هيلينا دعما اقتصاديا من النزلاء الجدد.

وسيكون الهدف الحقيقي من كل هذا هو تجنب إراقة الدماء والدمار اللذين شهدهما العالم في ساحل العاج، والمستمرين للأسف في ليبيا.

* المدير التنفيذي لمركز السياسة الدولية في واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست»